كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
يقول وزير الاتصالات جوني قرم في مقابلة تلفزيونية إنّه “لا نيّة لرفع أسعار التخابر والاتجاه الى إيجاد مداخيل أخرى من خلال اضافة خدمات، بانتظار الهيئة العامة في مجلس النواب لاقرار تعديل المادة 36 من قانون رقم 6 ما سيسمح بدفع المصاريف التشغيلية والاستثمارية السابقة، وكذلك المصاريف التشغيلية الجديدة اما المصاريف الاستثمارية الجديدة فستقرّ من خلال مجلس الوزراء”.
وبالفعل، فقد بحثت لجنة المال والموازنة النيابية في 23 أيلول الماضي بمشاركة وزير الاتصالات، في عدد من القوانين والإقتراحات. وتبيّن أنّ “هناك إقتراحين يخصان وزارة الإتصالات وأوجيرو وشركتي الخلوي. وكما بات معلوماً أن لجنة المال والموازنة قامت بأكثر من تدقيق بموضوع التوظيف في شركتي الخلوي والإدارة اللبنانية، وتبين أن هناك مخالفات كبيرة، وهذه المخالفات لا تزال في ديوان المحاسبة، ومنذ سنتين، القضاء المالي وضعه مثل وضع البلد. لقد أقرت اللجنة تعديل المادة 36 من موازنة 2020 مع ضوابط على النفقات، بعد أن كانت اعتمدت سابقاً نظاماً متصلباً في ظل ما تبين لنا بعد التدقيق بالنفقات في الموازنات السابقة، أن من المليار ونصف المليار دولار من الإيرادات، وكما قال رئيس لجنة الإتصالات، هناك 500 مليون دولار كانت تصرف بالسياسة والإنتخابات، من دون التحدث عن النهب والفساد”.
فما هي قصّة المادة 36 من موازنة العام 2020؟
تنصّ تلك المادة على “إلزام الشركات المشغّلة لقطاع الخلوي بتحويل الإيرادات إلى الخزينة بصورة دورية”، حيث أنّه “خلافاً لأي نصّ قانوني أو تعاقديّ آخر، وباستثناء الرواتب، تلزم الشركات المشغّلة لقطاع الخلوي بتحويل الإيرادات الناتجة عن خدمات الاتصالات الخلوية المحصّلة إلى حساب الخزينة لدى مصرف لبنان يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع، على أن تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجّب على الخزينة لصالح تلك الشركات من بدل إدارة ونفقات وأعباء ومشتريات وخلافه، تتحمّلها الشركات في مجال عملها، بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والاتصالات”.
وقد توصّل وزيرا المالية والاتصالات في حينه، أي غازي وزني وطلال حواط إلى وضع آلية لتطبيق تلك المادة، التي وضعت من باب لجم الهدر في قطاع الخلوي ووضع المصاريف التشغيلية opex والرأسمالية capex تحت المجهر وفق صيغة رقابية، أبرز ما جاء فيها:
– يفتح لدى الخزينة حساب خاص لكل شركة من شركات الخلوي، تسجل فيه صافي الإيرادات المحوّلة إلى الخزينة من الشركات وكذلك تسجّل عليه النفقات المسددة للشركات لتسديد النفقات الرأسمالية.
– تقوم الشركات في الأول من كل شهر بتحويل صافي الإيرادات الشهرية بعد حسم كلفة الرواتب وكافة المصاريف التشغيلية، مرفقة مع كشف تفصيلي يظهر الإيرادات المحصّلة والنفقات المسددة خلال الشهر.
– بهدف تسديد بدل النفقات الرأسمالية المترتبة على الشركات، يتمّ اعتماد الإجراءات التالية: تقوم وزارة الاتصالات في بداية كل شهر بإعداد كشف بالمدفوعات المترتبة على كل شركة، كمدفوعات بدل النفقات الرأسمالية، وترسله إلى وزارة المالية. تقوم وزارة المالية بتحويل قيمة هذا الكشف من حساب الخزينة لدى مصرف لبنان إلى حساب الشركات لدى مصرف لبنان المعتمد لكل منها. ترسل وزارة الاتصالات في نهاية كل شهر رصيد الحسابات الرأسمالية الواردة في الكشف أعلاه يُظهر المبالغ المسددة وتلك التي لم تسدد…
وكان لا بدّ من وضع آلية تضبط الإنفاق في هذا القطاع الذي تحوّل مع الوقت إلى “دجاجة تبيض ذهباً” بلا حسيب أو رقيب، وكل ذلك موثّق في لجنة الاعلام والاتصالات التي سبق لها أن حاولت وضع يدها على الملف ومساءلة أكثر من وزير، و”لكن من ضرب ضرب”، لأنّه بالنتيجة، شهد القطاع على صرف أكثر من خمسة مليارات دولار تمّ دفعها كمصاريف تشغيلية (3 مليارات دولار) ومصاريف رأسمالية (2 مليار) خلال السنوات العشر الأخيرة، مع العلم أنّه جرى الطعن بتلك الآلية أمام مجلس شورى الدولة الذي علّق العمل فيها كونها مخالفة للمادة 36 من قانون الموازنة العامة، مع أنّها تضمنت مساراً شفافاً للتعامل بين الوزارتين المعنيتين، ما يسمح لأجهزة الرقابة في وزارة المال بضبط الإنفاق والمصاريف. لكن متن المادة المذكورة أتى على نصّ محدد يلزم الشركتين بتحويل كل الايرادات المحققة إلى الخزينة العامة، بعد دفع الرواتب، فيما الآلية التطبيقية أضافت وعلى نحو غير قانوني، المصاريف التشغيلية إلى الرواتب… وكأنّ القانون لم يكن اصلاً! ما يعني العودة إلى ما قبل العام 2019، حين كانت الشركتان المشغّلتان تدفعان المصاريف التشغيلية، بكل الهدر الكامن فيها، لتحوّل ما يبقى من إيرادات إلى الخزينة العامة.
راهناً، يبدو أنّ الاتجاه هو لتعديل المادة 36 من قانون الموازنة العامة، حيث يخشى من أن يكون هذا التعديل منفذاً جديداً أمام المصاريف الانتخابية عشية دخول مدار الاستحقاق النيابي، وتشريعاً للعودة إلى مرحلة ما قبل العام 2020، بشكل يتيح للشركتين أن تصرفا على نحو عشوائي بلا أي دور لأجهزة الرقابة… ولو أنّ وزير الاتصالات الجديد لم يتردد في الإشارة إلى تراجع الإيرادات اذا ما حسبت على الدولار، ولكن على الليرة اللبنانية، فإنّها حققت أرقاماً قياسية.