جاء في “الراي الكويتية”:
بدت بيروت، أمس، تحت تأثير «رمي» الداخل اللبناني بـ 100 ألف مقاتِل «هدّد» بهم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله حزب «القوات اللبنانية» تحت شعار «اقعدوا عاقلين وتأدّبوا» على تخوم المنزلق الدموي الأخطر في الوضع المحلي الذي شكّلتْه «أحداث الطيونة» يوم الخميس الماضي، والتي اعتُبرت «النسخةَ الساخنةَ» من «الحرب الباردة» التي اشتعلت و«جمّدت» عمل مجلس الوزراء على جبهة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بعد إعلان الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل): إلى إقصاء المحقق العدلي القاضي طارق بيطار دُر.
ورغم أن نصر الله، كان يتوجّه في كلامه إلى رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع من ضمن مضبطةِ اتهامٍ بلغتْ حد اعتباره «عدو المسيحيين وكل لبنان والساعي لحرب أهلية، والذي يخترع عدواً وهمياً للمسيحيين هو «حزب الله»، فإن كشْفه للمرة الأولى «أن لدينا في الهيكل العسكري من اللبنانيين فقط من دون الأنصار والكشاف والهيئات، 100 ألف مقاتل مدرّبين ومنظّمين ومسلّحين»، بدا بحسب أوساط مراقبة على خصومة مع الحزب بمثابة إنذارٍ «مدجَّجٍ بالرسائل» برسم مختلف الأفرقاء اللبنانيين، سياسيين وغير سياسيين، عَكَس ما يشبه عملية «ارتداد» إلى الداخل لتأكيد «فائض القوة» في الطريق للانتخابات النيابية التي يُراهَن محلياً وخارجياً على أن تكون «مفتاحاً للتغيير» وعلى ضفاف تحولات في المنطقة ومحاولاتٍ لإخماد أكثر من «حريق» في الإقليم. وفي حين جاء تهديد الأمين العام لـ «حزب الله» في سياق اتهام «القوات» بالتحضير لـ«اقتتال داخلي» طالب جعجع بإزائه بـ«ألا يُخطئ الحسابَ ويكتب عنده (…) وخذوا العِبرة من حروبنا وحروبكم»، فإن الأوساط اعتبرتْ أن المضمون الأول من نوعه للخطاب وتحديداً في مجاهرته بحجم البنية العسكرية للحزب وجهوزيّتها لـ«الانخراط»في الواقع اللبناني والإمعان في تطويع وقائعه، هو بمثابة تحوّل غير مسبوق منذ عمليته العسكرية في بيروت والجبل في 7 مايو 2008 والتي شكّلت تطوراً كاسراً للتوازنات «بالقوة» انتزع معه «فيتو الثلث المعطّل» في الحكومة وكان فاتحة القضم المتدّرج لجمهورية الطائف.
ورأت الأوساط نفسها أن «الإفراطَ» في كشْف الهيكل العسكري العددي لـ«حزب الله» وإعلان «وضْع الإصبع على الزناد» بوجه «القوات» جاء على خلفية أحداثٍ ما زالت ملابساتها غير محسومة ووجد السيد نصر الله نفسه مضطراً – بإزاء ما رافقها وأعقبها من نشر فيديوات – للإقرار بأنها بدأت بإشكال حيث «جرى إطلاق شعارات واستفزازات وهو خطأ» قبل أن يؤكد «لكن بعد ذلك بدأ إطلاق النار وسقوط شهداء برصاص القوات».
ومن هنا اعتبرت هذه الأوساط أن «إعلان الـ 100 ألف مقاتل» عمّق الارتدادات السلبية للخميس الأسود على الحزب، الذي ورغم أن أمينه العام كان في خلفية إطلالته يخاطب جمهوره، وبين يديه 7 قتلى سقطوا في أحداث الطيونة، إلا أن هذا الموقف سيبقى وقْعه شبيهاً بما أعقب وصْفه 7 أيار 2008 بـ«اليوم المجيد».
وفي حين حاول نصر الله «الفصل» بين المسيحيين و«القوات» عارضاً «جردة» بما قدّمه «حزب الله» سياسياً، وبالحماية الأمنية للمسيحيين بوجه «داعش» في لبنان وسورية، فإن أوساطاً متقاطعة ناهيك عن مواقف سياسية معلنة، وبعضها من غير أصدقاء«القوات»، خلصت إلى أن إطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» بسقفها الأعلى أكملت النقاط التي يُراكِمها جعجع مسيحياً و«قدّمت له أكبر خدمة» على وقع دخول البلاد مدار الانتخابات النيابية. واستوقف الأوساط عيْنها أن نصر الله خفّف من حدة الموقف فيما خصّ المسار المطلوب لإقصاء القاضي بيطار من دون التراجع عن هذا المطلب، إذ كرر اتهامه بالاستنسابية والتسييس وبوقوف «مرجعيات وسفارات وراءه وهو تحوّل ديكتاتوراً»، داعياً «دولة القانون والمؤسسات بأن.. تصرَّفوا وتحمّلوا المسؤولية، فالوقت انتهى، وحان وقت المعالجة»، وذلك في موازاة تشديده في ما خص «شهداء مجزرة الطيونة أن المسار الصحيح هو التحقيق ومحاسَبة القتلة»، واعداً بأنه«إذا حدث أيّ تسييس في التحقيق، فلكل حادث حديث. ولا نترك دم شهدائنا على الأرض».
ومن دون أن يعلن الأمين العام لـ «حزب الله» ربْط استئناف مجلس الوزراء جلساته بإيجاد الحلّ مسبقاً لمسألة بيطار وبالتحقيق في أحداث الطيونة، فإن مصادر سياسية رأت أن الترابط ما زال قائماً وسط رصْدٍ لِما إذا كان كلام وزير الثقافة محمد مرتضى عن أنه «إذا دعا الرئيس نجيب ميقاتي لجلسة حكومية غداً فسنحضرها وعلى وزير العدل والمؤسسة القضائية إيجاد الحل لمسألة الارتياب من البيطار»، يعكس بداية تراجُعٍ للثنائي الشيعي تحت وطأة استشعار أضرار ظهوره بمظهر مَن «يحتجز» جلسات الحكومة، في الوقت الذي كان رئيسها أكد أنه لن يدعو «حتماً» إلى جلسة «إذا لم يكن هذا المكوّن (الثنائي الشيعي) مُشارِكاً حتى لو توافرت الغالبية الوزارية ولا يمكن أن أستفز شريكي في المواطَنة».