Site icon IMLebanon

الحقّ والسياسة في مواجهة الباطل والسلاح

كتب د. ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:

طالعنا أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله بخطاب يوم الإثنين أقل ما يُقال فيه أنّ مستوى المأزوميّة التي بات فيها حزبه اليوم هو أكبر بكثير من أن يخاطب اللبنانيّين برويّة وتؤدة. فاختار أن يظهر هذا الكمّ من المظلوميّة التي ادّعى بتعرّضه وحزبه وحلفائه لها. لقد صوّر نصرالله نفسه ذلك الحاكم بأمر الله ووليّه الفقيه، وراح يعطي النصائح والإرشادات من كلّ حدب وصوب وخصّ فيها كلّاً من: رئيس “حزب القوّات” اللبنانيّة سمير جعجع، المسيحيّين بشكل خاصّ، واللبنانيّين عامّة.

وجاء خطابه موجّهاً أولاً إلى جماعته في محاولة منه لاستيعاب أحداث عين الرمانة الأخيرة التي أقدم عليها جمهور الثنائي، في محاولة لترهيب المسيحيّين عموماً، وأهالي عين الرمانة وفرن الشباك خصوصاً، لا سيّما وأنّ غالبية أهالي هذه المناطق تناصر “القوّات اللبنانيّة”. من هنا، برّر مسبقاً لجمهوره عدم إقدامه على أيّ ردّ فعل تجاه أبناء هذه المنطقة، بعد تسريب بضعة تسجيلات صوتيّة لمناصريه يطالبونه فيها بالأخذ بالثأر؛ لكأنّ جماعته قد غُرِّرَ بهم واعتُدِيَ عليهم من قبل أبناء منطقة عين الرمانة!

فالسؤال المطروح هنا لماذا بدا نصرالله محتاجاً ليبرّر الفعل وردّ فعله على ما أقدم عليه شارع الثنائي الشيعي؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ المجموعة الحضاريّة الشيعيّة تشكّل عماد الكيانيّة اللبنانيّة التي على أسسها قام لبنان التاريخ والحضارة. وتعاني هذه المجموعة ما تعانيه، كاللبنانيّين كلّهم. فالضائقة الإقتصاديّة لا تستثني أحداً. والنقص الحاد بالمستلزمات كافّة، لا سيّما الطبيّة منها، هو نقص على اللبنانيّين كلّهم. وذلك كلّه ناجم عن السياسات التي اتّبعتها هذه المنظومة المحميّة من منظّمة “حزب الله”. فنقمة أهل البيت كبيرة جدّاً ولتداركها رُفِعَت نبرة الخطاب لتطمينهم بأنّ ما يصيب اللبنانيّين لن يصيبهم. بمعنى آخر، لقد أخرجهم مرّة جديدة من صلب الكيانيّة اللبنانيّة التي هم منها وفيها. لماذا استحضر تاريخ الوجود المسيحي في الشرق؟ فالمسيحيّون بشكل عام كان لهم الجزء التمنينيّ من الخطاب حيث صوّر نفسه الحامي للحضور، والضامن للوجود، والحافظ للحقوق. ولكن ما فاته أنّ مقارنة الوجود المسيحي الحرّ في لبنان مع الحضور المسيحي المقوَّض في سوريا هي مقارنة ساقطة سلفاً لأنّه لا يمكن مقارنة مَن لا حقوق لديهم في دولة تدّعي العلمنة والاشتراكيّة مع مَن هم مِن مؤسِّسي الدّولة اللبنانيّة. وحماية المسيحيّين الوحيدة هي من الدّولة اللبنانيّة وليس من حزب مصنّف إرهابيّاً من قبل معظم دول العالم. ولا يمكن بعد اليوم صهينة المسيحيّين الذين لا يخضعون للذميّة تحت حجّة الاضطهاد النازي للقوميّات. عليه أن يقرّر ماذا يريد؟ ألا يعلم أنّ الصهيونيّة والنّازيّة ضدّان ويلتقيان على مصلحة تدمير التاريخ الحضاري الفاتيكاني الأوروبي؟ ألا يكون بذلك معهما على الموجة نفسها بشيطنته الدائمة للغرب؟ ولماذا الانقضاض على القضاء اللبناني وتخويف اللبنانيّين؟

فتهديد اللبنانيّين وتخويفهم بجيش من المسلّحين يفوق عديده عديد الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة مجتمعة لا يمرّ. فاللبنانيّون جميعهم تحت سقف الدّولة ولا يحقّ لأحد تهديد القضاء اللبناني والقضاة النّزيهين الصامدين فيه. فدولة القانون وحدها ستسود في نهاية المطاف، ومَن يخرج عن القانون مصيره السجن والعقاب. فلا يمكن للباطل أن يستمرّ ويغلب الحقّ مهما طال الزمن. وما تهديد اللبنانيّين إلا شعور بالانعزاليّة التي وضع “حزب الله” نفسه فيها والتي جهد طوال أربعة عقود على إلصاقها بخصومه السياسيّين.

وسرعان ما تُرجم الردّ على الباطل والسلاح بالحقّ والسياسة في جلسة المجلس النيابي أمس بإسقاط حقّ المغتربين اللبنانيّين بالتصويت في الدائرة 16 لستّة نواب فقط، كما يرغب “الحزب” وحليفه البرتقالي تحت ذريعة التمسّك بالقانون. وانتصر الحقّ على الباطل بإعطاء المنتشرين الحقّ بالتصويت لـ 128 نائباً من بلد إقامتهم. ولعلّ هذه المسألة تكشف النّوايا المبيّتة لدى هذه المنظومة. فالخطاب العنيف الذي خصّ فيه صاحبه أكثر من ثلثيه لـ”حزب القوّات اللبنانيّة” ورئيسه، من دون أن يلفظ اسمه حتّى، يظهر الكمّ الكبير من الأحقاد الدفينة التي تقود هذا الفريق في عمله السياسي. ولعلّ هذا ما قد يشي بأنّ هذا الفريق بات أكثر اقتناعاً بتطيير العمليّة الانتخابيّة.

هذان الحدثان اللذان تزامنا في هذين اليومين المنصرمين يفضيان إلى الاستنتاج بأنّ مأزوميّة الفريق الحاكم ستدفع المنظومة حتماً إلى استخدام فائض قوّة المنظّمة الحاكمة مرّة جديدة لقلب المعادلات السياسيّة. لكن حذارِ إسقاط العمليّة الانتخابيّة برمّتها. فهذه المرّة لن تسلم الجرّة لأنّ اللبنانيّين كلّهم سيتحلّون عندها بصلابة أبناء عين الرّمانة ليفرضوا هم المعادلات السياسيّة الوطنيّة بامتياز. ومن له أذنان للسماع … فليسمَعْ !