Site icon IMLebanon

“الوطنية” اللبنانية في مواجهة “ولاية الفقيه”

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

إذا كانت أحداث عين الرمانة والطيونة إنتهت من الناحية الأمنية، إلا أن مفاعيلها السياسية بدأت وعنوانها الأساسي إعادة تصويب البوصلة باتجاه مشروع الدولة.

ليست أحداث عين الرمانة وفرن الشباك والطيونة معركة “القوات” وقائدها سمير جعجع لوحده، أو معركة “الكتائب” و”الأحرار”، بل إنها معركة كل لبناني حرّ، فإضافةً إلى التنظيمات المسيحية فإن من يقف في المواجهة إلى جانب “القوات” هو الجمهور السنّي الذي رفع شعار “لبنان أولاً” وما زال يؤمن به حتى لو أصبحت قيادته في مكان آخر، والغالبية الساحقة من الدروز التي تدافع عن وجودها وتتصدّى لمنطق “الدويلة” من شويا وصولاً إلى الجبل، والأهم أنها معركة الأحرار الشيعة الذين يواجهون “حزب الله” ويدفعون الفاتورة الأغلى ويتعرّضون للضغوط ويدفعون أغلى الأثمان.

وبعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله توضّحت الصورة أكثر، وبات في لبنان إتجاهان: الأول يقوده نصرالله القائل “إن سلاحنا وتدريبنا وتمويلنا وعقيدتنا من إيران، وأنا أفتخر بأن أكون جندياً في ولاية الفقيه”. والإتجاه الثاني هو لبناني صرف، وتُشكّل “القوات اللبنانية” عموده الفقري ويضم كل الأحزاب والشخصيات المسيحية السيادية إضافة إلى مروحة واسعة من شخصيات في بقية الطوائف الإسلامية، لم تنتظر قيادتها لتحدّد إتجاه البوصلة بل وضعت نفسها كحامية للمشاعر الوطنية وكيان لبنان.

وأمام كل ما يحصل، فإن تهديد نصرالله بامتلاكه أكثر من مئة ألف مقاتل، من ثمّ تمنينه المسيحيين بأنه دافع عنهم وقوله هل كنتم قادرين على الصمود أمام “داعش” يدفع العديد من المراجع المسيحية وعلى رأسها الكنيسة لاستنكار هذا الكلام واعتباره إهانة بحق المسيحي وكل لبناني.

وترى الكنيسة أن من يدافع عن لبنان، مسيحيين ومسلمين، هو الجيش اللبناني فقط لا غير، ولا أحد أعطى “حزب الله” وكالة شرعية للدفاع بل إن قتاله في سوريا واليمن والعراق هو لخدمة المشروع الأكبر الذي تتزعّمه إيران.

وفي ردّ مليء بالعنفوان، تسأل الكنيسة: هل نحن طارئون على هذه الأرض؟ فليقرأ كل من يريد الحديث في الشأن العام التاريخ جيداً وليتّعظ، فالبطريركية المارونية وشعبها قاوما على مدى 1400 سنة وصمدا وبنيا لبنان الكبير ودفعا فاتورة دمّ وشهادة وواجها جحافل الغزاة، وشعبها كان قادراً على مقاومة “داعش” وأكبر من “داعش” لو فُرضت المعركة، لذلك فإن كل ما يحاول “حزب الله” نسجه من بطولات لا يمرّ، فنحن أبناء هذه الأرض ولا يستطيع أحد تمنيننا بالحفاظ على وجودنا.

وترى الكنيسة أنه لو كان نصرالله جادّاً في خطاباته وحديثه عن حقوق المسيحيين لكان سهّل إيجاد الحلول في الأراضي التي تسيطر عليها قوى الأمر الواقع التي يحميها في الضاحية ولاسا وجرود العاقورة وتنورين، لكن الخطاب شيء والتطبيق على الأرض شيء آخر. ولذلك يمكن سؤاله عن مصير المسيحيين في حارة حريك حيث مقر قيادته والضاحية حيث حصلت أكبر عملية تغيير ديموغرافي، وإذا كان المسيحيون مرتاحين إلى مشروعه وإلى تحالفه مع التيار الوطني الحر فلماذا لم يتم الحفاظ على الوجود المسيحي في الضاحية ولماذا لم تحم هذا الوجود ورقة التفاهم ولماذا اختار المسيحيون ترك المنطقة وهل تركوها برضاهم أم تحت الضغط؟

من هنا، فإن الأوساط المسيحية لم ترَ في خطاب نصرالله إلا محاولة تعويم للذات وتلميعاً للصورة وتهديداً بفائض القوة وتصويباً للبوصلة في اتجاه واحد، وبالتالي فإن المواجهة القادمة ستكون تحت عنوان أي لبنان نريد، ولن يستطيع تمرير مشروعه حتى لو امتلك ملايين المقاتلين.

يؤكّد المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً أنهم أبناء هذه الأرض وهم ينتمون إلى مدرسة البطريرك الأول للموارنة مار يوحنا مارون، أب القومية اللبنانية، ذاك الفكر والنضال الذي أدى إلى بناء وطن لكل الطوائف وليس للمسيحيين فقط، في حين أن تهديدهم من قِبل قوى تحمل أفكاراً خارجية لن يُجدي نفعاً، ولذلك باتت المواجهة مفتوحة بين الولاء للكيان وموالاة ولاية الفقيه.