كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
هدأت لعبة الدعم، وبدأ الصراع على لقمة المواطن وقد سرقتها الحكومة والطبقة الحاكمة من فمه. وقف سائق التاكسي حائراً في أمره، فالراكب طار بفعل ارتفاع أجرته، وتنقّلت السيدة على قدميها لتوفير بعض المال وشراء ربطة خبز من المتوقع أن تتجاوز العشرة آلاف ليرة خلال اليومين المقبلين، ورب العائلة يصرخ كيف سأتدبّر خبز اولادي؟
دقّت الحكومة آخر مسمار في نعش الفقراء، قضت قراراتها غير المدروسة على ما تبقّى من لقمة الفقير. حتى المنقوشة التي كانت منقوشة الفقراء طارت ومتوقّع ان تسجّل 13 الف ليرة في ظل غلاء الغاز والزيت والزعتر، ما يعني في حسابات اهل القرى “رجعونا عالحصيرة” أي للعصر القروي القديم حيث كانت “الدابة” أو الحمار وسيلة النقل الوحيدة والسيارة للاثرياء، والطعام يُطهى على الحطب وقوامه برغل وبندورة، عدس وبرغل، برغل وشعيرية، وأفخم أكلة كانت عدس وارز، أما اللحم فكانت حصة العائلة اسبوعياً وقية لحمة من سوق الاثنين.
اليوم المشهد مماثل مع فارق بسيط، أن وقية اللحمة باتت محظورة على العائلة بعدما تجاوزت الـ50 الفاً، والدجاج طار عن الموائد أيضاً، أما البقوليات فأسعارها لا تقل عن اللحوم، ما يعني أن المواطن في النبطية بدأ يشعر فعلياً بعمق الازمة، بل إستشعر الخطر الكبير، سيما وأن منطقة النبطية تعدّ من اغلى مدن لبنان بالأسعار، واكثر منطقة محطاتها موصدة بالسواتر الحجرية، والمدينة الأكثر غلاء في السلع الاستهلاكية والتي شهدت إرتفاعات جنونية شلت اسواقها.
تقف فاتن مذهولة أمام أسعار الخضار والفاكهة، لا امكانية لها لشراء خيار وبندورة، وماذا عن الملفوف الذي سجلت الواحدة 40 الف ليرة، أي أكثر من يومية العامل اللبناني، واذا قررت أن تعدّ ملفوفاً بالشراب فعليها شراء وقية لحمة بـ50 الفاً، وكيلو أرز بـ17الفاً والشراب بـ15 الف ليرة عدا الغاز والزيت، ما يعني أن طبخة الملفوف الشعبية هي أيضاً طارت.
شلت أسعار المحروقات الجنونية حركة الشوارع في منطقة النبطية، خلت الطرقات من السيارات الا “المضطر”، فقفزة الـ300 الف ليرة للبنزين حوّلت حياة الناس جحيماً، لم يستوعبوا الهزة الارتدادية الآتية، يدركون أنهم باتوا عاجزين عن تأمين الخبز، فكيف بباقي السلع على ابواب الشتاء؟
عادة ما تتسلح المنازل بالمونة المتنوعة، هذا العام جاءت اعدادها ضيئلة مقارنة بالاسعار الكاوية، ما يعني أن الناس على ابواب مجاعة حقيقية، حتى الموظف الذي يتقاضى 4 ملايين ليرة بات عاجزاً عن الوصول الى مركز عمله، فمعاشه لا يكفي سوى للبنزين وماذا عن المازوت والاشتراك والكهرباء والمياه والطبابة والأكل والتعليم وغيره؟ فعلاً الوضع صعب والناس دخلت في نفق ابليس ان صح التوصيف. صحيح ان شوارع النبطية لم تشهد حركات اعتراضية على الاسعار اسوة بصيدا والشمال، غير أن شوفرية التاكسي كانوا أكثر تأثراً بالازمة، فعملهم مرتبط مباشرة بالبنزين، ومع ارتفاعه طار الراكب والعمل معاً.
يجلس أبو حسين عند ناصية الطريق على مفرق كفررمان ينتظر راكباً عابراً من دون جدوى، “ما حدا عم يتنقّل هالايام” بحرقة يقول، مردفاً “من يومين ما استفتحت بليرة، يعني ما معي قرش بالجيبة، والوضع تعبان”.
يشكو الشوفيرية من سوء حالهم، فهم يعايشون ظروفاً غريبة لم يستوعبوها بعد، عاشوا عزّاً في السنوات الماضية كثر تحولوا الى تلك المهنة، أما اليوم فلم يبق أمام أكرم وزملائه سوى الانتظار وترقب الوضع. يؤكد أكرم أنهم يواجهون حالة ارباك وفق اي تسعيرة سيعملون، وهل قدرة الناس على الدفع، أين هم الناس، لا حركة لهم في الشارع أصلاً، يرمي باللائمة على السلطة الحاكمة التي فرضت “فرمانات” قاسية على الشعب، متمنياً لو يعود الدولار الى 1500 ليرة ولتبقَ السلطة تسرق، اقله كنا عايشين، اليوم ما بقى في شي الا النفس والفرجة”.
الدولة بـ”فرمان” رفع الدعم نهائياً جرّدت الناس من ابسط حقوقها، وبعدما كان حلم المواطن نزهة، “كزدورة”، الاكل في المطعم، سيارة جديدة، بات حلمه تأمين جرّة غاز وربطة خبز ويبدو أننا عملياً دخلنا في قلب اعصار الازمة.