جاء في “العرب” اللندنية:
بعد الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات المبكرة إلى شهر آذار من العام المقبل صارت الساحة السياسية في لبنان تعيش صراعات ذات أبعاد طائفية. ويتوقع مراقبون أن تؤثر هذه الصراعات على توجهات الناخبين المسيحيين الغاضبين من طريقة تعامل أكبر الأحزاب الممثلة لهم مع أحداث العنف الأخيرة.
قالت مصادر سياسية لبنانية إن أعمال العنف الطائفية التي شهدتها بيروت مؤخرا بين أنصار حركة أمل حليفة حزب الله وأنصار حزب القوات اللبنانية بقيادة المسيحي سمير جعجع وضعت التحالف القائم بين حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون على المحك، مرجحة أن تكون المقاعد المسيحية في قلب المعركة الانتخابية التي تم تبكيرها الثلاثاء إلى آذار 2022 بعد أن كانت مقررة في مايو من العام نفسه.
ويشكل التوتر الطائفي المتفاقم في لبنان اختبارا لتحالف قائم بين جماعة حزب الله الشيعية والرئيس المسيحي عون، إذ قد يخسر تحالفهما أرضا لصالح منافسيه الذين يُصعّدون معارضتهم لنفوذ الجماعة المدعومة من إيران.
ويعتقد محللون أن الانقسامات التي تعمقت منذ اندلاع أعمال العنف في بيروت الأسبوع الماضي قد تصب في صالح خصم عون التاريخي؛ جعجع، وهو معارض قوي لحزب الله.
وتحالف حزب الله مع عون مهيمن على الساحة السياسية اللبنانية منذ 2006، إذ ساعد حزب الله عون على أن يصبح رئيسا في 2016 بينما قدم عون دعما مسيحيا محوريا لتسليح حزب الله الذي أصبح أقوى من الجيش اللبناني.
وتصاعد التوتر بين حزب الله وعون بعد أن عارض حزب الله التحقيق في انفجار المرفأ الكارثي الذي قتل -من بين ما قتل- العديد من المسلمين، لكن أغلب أضراره لحقت بمناطق مسيحية في العاصمة.
واحتدمت معضلة عون الأسبوع الماضي عندما تفاقم التوتر بشأن التحقيق ليشعل شرارة أسوأ أعمال عنف في الشوارع تشهدها بيروت منذ سنوات بما أعاد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وأسفرت أحداث العنف تلك عن مقتل سبعة كلهم من الشيعة، في ما اعتبره حزب الله كمينا نصبه حزب القوات اللبنانية المسيحي بزعامة جعجع.
ونفى حزب القوات اللبنانية ذلك وألقى باللائمة في إثارة الاضطرابات على الجانب الآخر متهما إياه بإرسال أنصاره إلى حي مسيحي هو عين الرمانة، حيث يقول إن أربعة سكان أصيبوا قبل أن تنطلق أي رصاصة.
وبدأت أعمال العنف إثر احتشاد مناصرين لحركة أمل، حليفة حزب الله، لتنظيم احتجاج من أجل المطالبة بتنحية القاضي طارق بيطار عن تحقيق انفجار المرفأ الذي قتل أكثر من مئتي شخص.
وقال مصدر قريب من التيار الوطني الحر الذي أسسه عون “اليوم، لدينا مسيحيون يرفضون هذه المشاهد التي تعيد ذكريات الحرب الأهلية وفي ذات الوقت ليسوا سعداء بالطريقة التي يعبر بها الشيعة عن معارضتهم للقاضي بيطار”.
وأضاف المصدر أن “التيار الوطني الحر وحزب الله لم يقررا بعد أن يسلك كل منهما طريقا لكن مسار الأحداث يباعدهما”.
وفي أول كلمة له منذ أحداث العنف الأخيرة قال حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله إن “حزب القوات اللبنانية يرى نفسه حاميا للدم المسيحي لكن حزب الله ليس عدوا للمسيحيين”.
وأضاف نصرالله أن حزب القوات اللبنانية عارض تفاهم جماعته مع التيار الوطني الحر عند قيام التحالف عام 2006 لأنه “لا يريد للمسلمين والمسيحيين أن ينفتحوا على بعضهم البعض”.
ويتهم حزب الله بيطار بالتحيز، إذ سعى القاضي لاستجواب بعض حلفائه للاشتباه في إهمال أدى إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية المسجلة على الإطلاق.
وقال جعجع، الذي يساند بيطار، إن “مواجهات الخميس الماضي بدأت عندما خرّب مناصرون لحزب الله وحركة أمل سيارات واشتبكوا مع السكان وحاولوا دخول منازل في عين الرمانة”.
وذكر جعجع في مقابلة الجمعة أن “القوات اللبنانية لم تدافع عن الحي بل كل أهالي عين الرمانة قاموا بذلك”.
ويقول مهند حاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط إن “وجهة النظر التي تفيد بأن عين الرمانة تعرضت للهجوم شائعة بين المسيحيين”.
ويضيف “هناك نوع من الاتفاق بين المسيحيين بشأن دعم تحقيق انفجار المرفأ والحق في الدفاع عن النفس وأن حزب الله وحركة أمل هاجما المنطقة قبل أن يتعرضا للهجوم… جعجع حتى الآن يبدو أنه اكتسب بعض الشعبية في أوساط المسيحيين”.
والتيار الوطني الحر هو أكبر الأحزاب المسيحية في لبنان. وخلال الانتخابات البرلمانية السابقة في البلاد عام 2018 تمكن التيار الوطني الحر وحزب الله وأحزاب أخرى مؤيدة لحيازة حزب الله السلاح من تأمين الأغلبية في المجلس.
ويأمل معارضون لحزب الله أن يتغير ذلك في 2022، ويُنظر إلى المقاعد المسيحية على أنها مضمار التنافس الأساسي.
وإلى جانب انفجار المرفأ خيّم الانهيار المالي الضخم على رئاسة عون إذ أوقع أكثر من ثلاثة أرباع السكان في براثن الفقر.
وتطرق جبران باسيل، زعيم التيار الوطني الحر وصهر عون، إلى حجج التحالف مع حزب الله في كلمة ألقاها السبت، بما في ذلك قتاله ضد متشددين على الحدود السورية.
وبدا أنه ينحاز إلى موقف حزب الله بالتلميح إلى أن حزب القوات اللبنانية هو الجهة التي يوجه إليها اللوم على أعمال العنف، وكرر ما صدر عن حزب الله من انتقادات للتحقيق عندما قال إنه يُجرى بطريقة انتقائية.