كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
أوحى كلام وزير الثقافة محمد مرتضى عن “استعداده للحضور في حال دعا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى جلسة حكومية” بتراجع موقف الثنائي الشيعي الذي كان اعلن عن مقاطعة الجلسات الحكومية الى ان تحدد الحكومة مصير المحقق العدلي في قضية المرفأ، ليتبين أن الوضع لا يزال على حاله وان مرتضى لم يعبّر عن حقيقة موقف الثنائي الذي لا يزال مصرّاً على ان لا حضور لأي جلسة حكومية طالما لم يتخذ الموقف المناسب الذي يضع حدّاً للعمل “المسيّس” للقاضي البيطار.
نهاية الاسبوع الماضي جهد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتأمين الاجواء الملائمة استباقاً لعقد جلسة للحكومة هذا الاسبوع لكن جهوده اصطدمت بعدم وجود جواب واضح من الثنائي او التزام بالحضور ما لم تجد الحكومة مخرجاً للمحقق العدلي بتحقيقات المرفأ. زاره النائب علي حسن خليل وتواصل هاتفياً مع المعاون السياسي في “حزب الله” الحاج حسين الخليل ولم تخرج المساعي بالنتائج المرجوة من ميقاتي الذي حاول الاستفسار عما اذا كان الثنائي يريد لهذه الحكومة ان تستمر او يريد عرقلة عملها.
والى رأي رئيس الحكومة آراء آخرين لم يروا مبرراً لتعطيل الحكومة على خلفية ايجاد مخرج للمحقق العدلي بينما هي غير مخوّلة ذلك، فمثل هذا الامر يقع على عاتق مجلس القضاء الاعلى لناحية البحث في المخارج وليس تنحية القاضي.
تذهب بعض التحليلات الى حد اعتبار “حزب الله” او الثنائي الشيعي قد بالغ برفع سقف مواقفه حتى بات متهماً بتعطيل التحقيق في جريمة المرفأ وتعطيل مجلس الوزراء بالمقابل. فكيف يعطل مجلساً سعى جهده لتشكيله وهو شريك فيه، يمكن تعطيل الحكومة لسبب سياسي او اقتصادي لكن ليس لسبب قضائي حيث لا صلاحيات للسلطة التنفيذية على القضاء اذ لا يمكن فرض نظرية ان الحكومة التي اتت بالبيطار عليها ازاحته ما يتسبب بإحراج “حزب الله” لدى الرأي العام والمجتمع المسيحي خصوصاً. وفي اعتبار اصحاب هذه النظرية ان القضية مطروحة بالمكان الخطأ وان “حزب الله” رفع السقف ما ولّد تساؤلات انتهت بالتصعيد في الشارع، وأحرج حلفاءه بعد التطور الدراماتيكي وحزمة التوتر من مجلس الوزراء الى الطيونة بوتيرة مواقف عالية كان بغنى عنها من الاساس. الخطأ بالاستراتيجية وليس في التكتيك هنا، اذ لا يمكن تعطيل السلطة التنفيذية لسبب مرتبط بالسلطة القضائية والموجود على رأس السلطة التنفيذية ميشال عون وميقاتي الذي بارك تكليفه “حزب الله”. هناك مجلس وزراء وهناك ملفان مستقلان هما المرفأ والطيونة والربط بينهما خطأ استراتيجي. ولذا فالمطلوب بحسب اصحاب وجهة النظر هذه هو التراجع بهدوء لان لا علاقة للحكومة بالمسار القضائي خصوصاً وأن ميقاتي بات خائفاً من الدعوة الى جلسة خشية تفشيلها. ثمة قناعة لدى الجميع بفصل مسار الحكومة عن التحقيق لان اطلاق النار على الحكومة لن يفيد كما لا يفيد فتح معركة على القضاء في ساحة مجلس الوزراء فالحكومة ليست ميداناً للحرب على القضاء. في قراءاتهم ان امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله برّد الاجواء في ما يتعلق بالمحقق العدلي فلم يكرر المطالبة بتنحيته لكنه فتح الباب لايجاد المخرج الملائم. لكن ما فهم على انه تليين موقف لم يبدل في حقيقة الموقف من المحقق العدلي. فاذا كانت الحكومة لا تملك صلاحية تنحية المحقق العدلي فان المطلوب منها اعلان موقف سياسي يعبر عن الانزعاج من سلوك سياسي للقاضي البيطار.
وفق مصادر مطلعة على موقفه فان “حزب الله” الذي يعتبر ان الحكومة هي الجهة التي عينت البيطار بناء على اقتراح وزير العدل يتوجب عليها ايجاد المخرج لتسلمه الملف وهي المعنية الاولى سواء من خلال مجلس القضاء الاعلى او سبل اخرى فالآلية لا تهمه بقدر ما يهمه ثنيه عن التحقيق.
خلال الايام المنصرمة سمع “حزب الله” اجتهادات قانونية كثيرة واقتراحات متعددة وصلته، يهمه من بينها ما يحقق هدفه. وطالما البيطار مستمر في تحقيقاته فقد ابلغ “حزب الله” مجدداً ان لا مشاركة في جلسات الحكومة. يرفض وفق المصادر المطلعة اعتبار ذلك انقلاباً على حكومة لا ينكر انه بذل مجهوداً مضنياً لتشكيلها ولو اراد ذلك فعلاً لاستقال وزراء الثنائي فوراً لكنه علّق حضورهم الجلسات وطلب اليهم مواصلة عملهم في وزاراتهم كالمعتاد والمشاركة في اجتماعات اللجان والمفاوضات مع صندوق النقد وغيرها لكن القرار السياسي يتجسد في المقاطعة.
فكيف لـ”حزب الله” ان يقاطع حكومة يترأسها حليفه الاقرب اي رئيس الجمهورية ميشال عون؟ ألا يعتبر ذلك تعطيلاً للعهد في آخر ايامه؟ لا ينكر “حزب الله” على لسان المصادر المطلعة وجود تباين مع عون حول التحقيق ومقاطعة جلسات الحكومة. خطوط “حزب الله” مع حليفه لم تنقطع والتواصل هدفه توضيح وجهة النظر من التحقيق والبيطار ربطاً بجريمة الطيونة وان عون بدا متفهماً ان البيطار وسلوكه وقراراته المسيّسة تسبّب بأزمة حكومية وفي سيلان الدماء في الشوارع وبالتالي يجب البحث عن حلول من داخل المؤسسة.
مصادر مطلعة على موقف ميقاتي قالت ان رئيس الحكومة وان حاول النأي بالنفس لكن ليس لدرجة الغاء نفسه ولذا يتوقع ان يعمد الى تحرك اليوم، مرجِّحة ان تتكلّل المساعي بعقد جلسة قريبة للحكومة وان كان عمل الحكومة متواصلاً بدليل الجلسات التي تعقدها اللجان ومن بينها اجتماع لجنة وزارية تضم 15 وزيراً بينهم وزراء من الثنائي الشيعي ويعد انعقادها بمثابة جلسة حكومية مصغرة. فهل يستمر الوضع الحكومي على حاله، وتتحول الحكومة الى مجموعة لجان حكومية لكل منها مهامها ريثما ينجز الوزراء خطط وزاراتهم التزاماً بما طلب منهم في الجلسة الاخيرة للحكومة لتقديمها الى صندوق النقد فيكون المخرج للمحقق العدلي قد تأمّن؟