كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
تشكل مادة المازوت أولوية لا يمكن التخلي عنها بالنسبة لسكان الجرود والمناطق الداخلية. ومع أنها تعتبر في بعض الأمكنة، كزحلة مثلاً، معياراً تتمظهر من خلاله الرفاهية التي أمنها إستبدال المواقد بأنظمة “الشوفاج” وخصوصاً في المنازل الحديثة، فهي تبقى حاجة لا غنى عنها لتأمين أبسط حقوق المواطنين بالدفء.
حتى العام الماضي، وعلى رغم الشح الذي بدأ يظهر في تزويد السوق اللبناني بالكميات المطلوبة من المحروقات، لم يكن توفير المازوت في المنازل مصدر قلق للزحليين. إلا أن سعر الصفيحة الذي لامس الـ 300 ألف ليرة في آخر جدول صادر عن وزارة الطاقة، حول “دفا الشتاء” زاد همّاً على قلوب كل الزحليين، الذين باتوا واثقين بأنهم لم يعودوا قادرين على الحفاظ على نوعية الحياة التي إعتادوها في الماضي.
حتى من تصلهم اموال طازجة من مغتربيهم، وجدوا أن كل ما يمدون به من دعم، قد لا يكون كافياً لتأمين التدفئة شتاء. وصار على الجميع، التقشف في إستخدامات المازوت، تجنباً للوقوع بعجز في تأمين باقي مستلزمات الحياة خلال الشتاء.
في عملية بسيطة لما قد يحتاجه أبسط منزل شتاء، يقول عصام الفحل ممثل جمعية “منسيين”، وهي واحدة من خمس جمعيات في زحلة قررت توحيد جهودها وإمكانياتها للتنسيق في ما بينها من أجل تأمين مستلزمات التدفئة للأكثر فقراً في مدينة زحلة، “إن الحد الأدنى من كمية المازوت التي يحتاجها أصغر منزل هي أربع براميل شتاء”. هذه الكمية ترتفع، ولا تتناقص، كلما زادت تجهيزات التدفئة في المنازل لتصل في بعض المنازل الى 30 برميلاً خلال الموسم. فيما يقدر أصحاب المنازل المجهزة بالشوفاج الحد الأدنى للإستخدام اليومي بصفيحتين، أي ما يوازي الـ28 دولاراً يومياً، وهو مبلغ لا يقل عن 500 ألف ليرة وفقاً لسعر صرف السوق.
قد لا تنعكس تداعيات هذه الكلفة الفاحشة الإرتفاع على الجزء الأول من فصل الشتاء، خصوصاً أن معظم منازل زحلة تتزود بمادة المازوت في نهاية كل موسم شتاء، وقد لجأت بعض العائلات، وخصوصاً المقتدرة منها، الى تأمين إحتياطي إضافي إثر البلبلة التي بدأت تظهر في سوق المحروقات منذ بداية الصيف الفائت. إلا أن جميع هذه الكميات ستنضب في الجزء الثاني والأقسى من موسم الشتاء، بدءاً من منتصف شهر كانون الأول، فيما قلق الزحليين ليس فقط من إرتفاع كلفته التي لن تكون بمتناول القسم الاكبر من أهالي المدينة، وإنما ايضاً من عدم توفر المادة في السوق.
إنه البؤس بحد ذاته بالنسبة لأهالي مدينة لطالما تصرف أهلها كسلاطين مكفيين، وباتت كل أفكارهم تنصب حالياً على إطالة عمر مخزون منازلهم من مادة المازوت لأطول فترة من موسم الشتاء.
والتفكير جدي بالنسبة للزحليين لجعل الموسم أقل صعوبة. ومن هنا بدأ التخطيط لتغيير نمطهم المعتاد في تدفئة منازلهم. فتخلى بعضهم عن رفاهيته في بدء تشغيل وسائل التدفئة بدءاً من شهر تشرين الأول. وأبرز هذه الوسائل أجهزة الـAC المرتبطة بفواتير الكهرباء “الملعلعة” أيضاً بسبب غلاء مادة المازوت.
من يعيشون في منازل فضفاضة قرروا إختصار المسافات لتشغيل الشوفاجات بنصف طاقتها أو حتى أقل. وفيما بقيت الـ CHEMINEE رفاهية يمكن للعائلات اللجوء اليها توفيراً لإستخدام المازوت، خصوصاً مع تخزين كميات الحطب منذ بداية فصل الصيف، فإن عائلات أخرى ستستخدم الحطب للمرة الاولى في مواقد التدفئة التقليدية.
في المقابل لمست الجمعيات الإنسانية الزحلية، التي وصلت مساعداتها الى نحو ألف برميل مازوت في العام الماضي، توجهاً لأن تبرد المزيد من العائلات في المدينة، من دون أن تملك مقومات مساعدتها.
وفي آخر إجتماع عقده إتحاد هذه الجمعيات لتقييم قدرته على تأمين المازوت، تقرر مساعدة 300 عائلة فقط من الأكثر حاجة، أو من الفئة الأضعف التي تشمل العجزة، والمنازل التي لديها أطفال وإمكانياتها أفقر من تأمين الدفء لهم. علماً أن ما تواجهه هذه الجمعيات لدعم العائلات المحتاجة لمادة المازوت، هو عدم إستقرار سعر الصفيحة الذي لا يسمح لها بوضع خطة دقيقة لتوزيع كميات التبرعات التي تصلها من المغتربين والمقيمين لهذه الغاية، إلى جانب عدم توفر الكميات التي تحتاجها في الأسواق اللبنانية. وهو ما يجعل مهمتها أصعب من السنوات الماضية، خصوصاً أن أعداد الناس الذين يتواصلون معها طلباً للمادة في تزايد، فيما الموارد تبدو في سباق مع السعر المتبدل لصفيحة البنزين يومياً.