كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
لا وجع أو ألم يوازي ما يعانيه أبناء بعلبك الهرمل هذه الأيام إثر الإرتفاع الجنوني لغلاء أسعار المحروقات وارتفاع التكاليف المترتبة جراء ذلك، وحده الهمّ يسيطر على يومياتهم، يحتارون كيف ستمرّ الأيام المقبلة وما هي الحلول التي سيسيرون بها لتلافي الأصعب الذي يبدو أنه آتٍ لا محالة.
إنتكاسات بالجملة أصابت البقاعيين جراء التسعيرة الجديدة للمحروقات التي طالت البنزين والمازوت ومعهما النفط الإيراني، ومعها بدأ حساب تكاليف النقل إلى العمل والمدارس، يضاف إلى اللائحة الأولوية الأولى وهي التدفئة بعدما دخل موسم البرد والصقيع حيز التنفيذ، وما هي إلا أيام حتى يبدأ تركيب المدافئ التي تحتاج المازوت الذي أصبح بعيد المنال، وشقيقه في التدفئة الحطب أصبح أيضاً من الكماليات إلا لمن استطاع إليه سبيلاً.
ثمن أربع صفائح بنزين هو راتب الموظف في القطاع الخاص تضاف إليها صفيحة لموظفي القطاع العام، يدفع الراتب للوصول إلى عمله ويبقى من دون طعام وشراب ومازوت، هذا هو حال آلاف الأشخاص في بعلبك الهرمل، وحديث الناس الشاغل في الشوارع والساحات وداخل مراكز العمل، لا تركيز في إتمام واجباتهم الوظيفية بقدر التفكير بالأيام القادمة وكيف ستحلّ على أولادهم وعائلاتهم. لم تعد هناك أولوية مفضلة على أخرى، فكل الأمور الحياتية البسيطة أصبحت في سلم الأولويات وسط تراجع القدرة الشرائية وانخفاض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الذي يتأرجح على عتبة العشرين ألفاً.
إرتفعت أسعار المحروقات وزادت معها تكلفة نقل الطلاب إلى المدارس في بعلبك وسائر البلدات البقاعية بعدما سجلت 300 ألف ليرة في أعلى مستوياتها، لتتصدر التعرفة الجديدة التي ستعمم أوائل الشهر القادم على أولياء الأمور إهتماماتهم، ومن المتوقع ان تزيد بحدود المئة وخمسين ألفاً في المناطق القريبة والأحياء الداخلية، ما يدفع الأهالي إلى التفكير جيداً في إتمام العام الدراسي الذي يبدو أنه اصبح في مهب ريح غلاء المحروقات سواء على المدارس أو الأهالي.
“لا قدرة لنا على المضي قدماً في إرسال أولادنا إلى المدرسة”، بهذه الكلمات يجيب محمد م. الأب لأربعة أولاد والذي يتكبّد مليوناً ونصف المليون أجرة نقل شهري لأطفاله بعد شهر ونصف على بداية العام الدراسي، مشيراً لـ”نداء الوطن” الى أن صاحب الباص قد أعلمهم بأن الزيادة حاصلة آخر الشهر الحالي، ومع هذه الزيادة يكون محمد مخيراً بأن يستدين ليدفع الأجرة أو يبقي على أولاده في المنزل.
معاناة الأهالي تلاقيها تسريبات بدأت تدور في كواليس المدارس حول القدرة على استكمال العام الدراسي بعد الإرتفاع الجنوني لأسعار المازوت وعدم التمكن من شرائه، حيث وصل سعر البرميل الواحد إلى مئة وأربعين دولاراً أي ما يوازي مليونين ونصف المليون ليرة لبنانية. وفي هذا الإطار يوضح أحد مدراء المدارس الخاصة أن مدرسته التي تضم أكثر من أربعين صفاً بين طلاب وإدارة تحتاج كل أسبوعين إلى ألف ومئتي ليتر من المازوت أي ما مجموعه سبعين مليون ليرة شهرياً، وهي أعباء تفوق قدرة المدرسة على تحملها وتأمينها وسط أوضاع الناس الاقتصادية الصعبة وعدم تمكنهم من دفع الأقساط.
وعلى خط التدفئة لا أمل أو حل عند الأهالي في بعلبك الهرمل، فبعد إنتظار المازوت الإيراني الذي كانت بارقة الأمل لديهم بتمضية فصل الشتاء، حددت محطات الأمانة التابعة لـ”حزب الله” سعر صفيحة المازوت بأقل من السعر الرسمي الذي تحدده وزارة الطاقة اللبنانية بـ 10 بالمئة ما جعل الناس عاجزة عن دفع هذا السعر، ليبقى الرهان على أواخر الشهر الحالي حيث يطلق “الحزب” الخطة الثانية من إستقدام المازوت والمخصصة للناس والتدفئة والتي من المتوقع أن تشهد إنخفاضاً بالسعر أو توزيعاً مجانياً على المنازل البقاعية.