كتب جاد حداد في “نداء الوطن”:
يُعتبر ألم الظهر من الأوجاع المزمنة الأكثر شيوعاً. غالباً ما يتحسن الألم الحاد الذي يدوم لأقل من أربعة أسابيع خلال فترة تتراوح بين أيام عدة وبضعة أشهر. ومع ذلك، قد يصاب حتى 33% من الناس بألم معتدل في الظهر بعد مرور سنة، ويتعرّض 20% منهم لضعف جسدي بارز.
يعترف المشرفون على دراسة جديدة بعدم وجود سبب واضح للألم المزمن في أسفل الظهر في 85% من الحالات. أصدرت كلية الأطباء الأميركية توجيهات عيادية توصي بتجربة مقاربات غير دوائية لمعالجة ألم أسفل الظهر المزمن الذي يدوم لأكثر من 12 أسبوعاً. تتعدد الخيارات المقترحة، منها التمارين الجسدية، والوخز بالإبر، والاسترخاء الذهني لتخفيف الضغط النفسي، والعلاج السلوكي المعرفي، واليوغا، والتاي تشي، والاسترخاء التدريجي.
إذا لم يتجاوب المريض مع هذه العلاجات، يوصي الخبراء بأخذ مضادات الالتهاب غير الستيرويدية في المرحلة الأولى. وإذا لم تُعْطِ هذه الأدوية المفعول المنشود، قد يَصِف الأطباء مضاد الاكتئاب دولوكسيتين أو دواء ترامادول الذي يدخل في خانة المواد الأفيونية. لكن يُفترض ألا يلجأ الأطباء إلى المواد الأفيونية إلا إذا كانت منافعها تفوق المخاطر المحتملة.
قد تُحسّن هذه العلاجات وضع بعض الناس، لكن لا يخفّ ألم البعض الآخر. هذه النتائج المختلطة دفعت الباحثين في جامعة كولورادو إلى تطوير واختبار علاج الاستجابة المحورية لاستهداف ألم الظهر المزمن. نُشِرت نتائج الدراسة في مجلة “جاما” للطب النفسي.
بعد استبعاد الأسباب المعروفة لألم الظهر المزمن، يشمل علاج الاستجابة المحورية تمارين لإقناع الناس بأن مصدر ألمهم لا يتعلق بإصابة معينة بل بتغيّر المسارات الدماغية التي تكون قابلة للتعديل.
أجرى الباحثون دراسة عشوائية بين آب 2017 وتشرين الثاني 2019. تراوحت أعمار المشاركين بين 21 و70 عاماً في مدينة “بولدير”، كولورادو. كان المشاركون كلهم يعانون من ألم الظهر في نصف الأيام على الأقل من آخر ستة أشهر.
حللت الدراسة بيانات 135 مشارِكاً، 44 منهم تلقوا علاج الاستجابة المحورية، و44 تلقوا دواءً وهمياً، و47 خضعوا لرعاية طبية نموذجية. سجّل المشاركون في مجموعة علاج الاستجابة المحورية تراجعاً ملحوظاً في نسبة الألم مقارنةً بالمجموعتَين الأخريين، حيث اقتصر التراجع على 1.79 و2.40% على التوالي، وفق مقياس يتراوح بين صفر وعشرة.
في النهاية، زال الألم أو تراجع في معظمه لدى 66% من المشاركين في مجموعة علاج الاستجابة المحورية، و20% في مجموعة الدواء الوهمي، و10% في مجموعة الرعاية الطبية النموذجية.
يقول الدكتور إيلان دانان، طبيب أعصاب رياضي وخبير في السيطرة على الألم في مركز علم الأعصاب الرياضي وطب الألم في “معهد سيدار سيناء كيرلان جوبي” في لوس أنجلوس: “هذه النتائج مطمئنة. لا يلجأ المرضى في معظم الأوقات إلى الوسائل غير الدوائية لمعالجة الألم، لا سيما إذا كانت المشكلة مزمنة. بعد إيجاد الأدلة المطلوبة عبر هذه الدراسات لدعم استعمال الخيارات غير الدوائية لمعالجة الألم المزمن، يجب أن يتابع الأطباء الموضوع ويناقشوه مع المرضى”.
لكن يجب أن يجري العلماء دراسات أخرى لتقييم مستوى فاعلية علاج الاستجابة المحورية لاستهداف أنواع أخرى من الألم المزمن.
تعليقاً على النتائج، يقول المشرف الرئيسي على الدراسة، يوني آشار: “يكون الألم حقيقياً في جميع الحالات. لذا يكمن مفتاح نجاح أي علاج في فهم سبب الألم. في بعض الحالات، تكون الأسباب معقدة. لكن ينجم الألم في حالات أخرى عن تغيّرات في المسارات الدماغية. قد لا يكون علاج الاستجابة المحورية مناسباً لمعالجة الألم المرتبط بإصابة حادة أو التهاب معيّن. لكننا نتمنى أن يسهم بحثنا في تغيير المعايير المستعملة في هذا المجال. قد ينجح خليط من العلاجات النفسية والسلوكية في تبديد الوجع أو تخفيفه لدى عدد كبير من المصابين بألم مزمن”.
أسباب ألم الظهر
قد ينجم ألم الظهر عن إصابة أو نشاط أو بعض المشاكل الصحية، وقد يصيب الناس من جميع الأعمار ولأسباب مختلفة. مع التقدم في السن، يزيد احتمال الإصابة بألم أسفل الظهر نتيجة عوامل مثل المِهَن السابقة أو مرض القرص التنكسي.
قد يرتبط ألم أسفل الظهر أيضاً بالعمود الفقري القطني العظمي، أو الأقراص الواقعة بين الفقرات، أو الأربطة المحيطة بالعمود الفقري والأقراص، أو الحبل الشوكي والأعصاب، أو عضلات أسفل الظهر، أو الأعضاء الداخلية في البطن والحوض، أو البشرة المحيطة بمنطقة أسفل الظهر. أما الألم في أعلى الظهر، فقد ينجم عن اضطراب الشريان الأورطي، أو نشوء أورام في الصدر، أو التهاب العمود الفقري.
عوامل الخطر
ترتبط عوامل الخطر التالية بزيادة مخاطر الإصابة بألم أسفل الظهر:
• النشاطات المهنية.
• الحَمْل.
• قلة الحركة.
• تراجع الرشاقة الجسدية.
• التقدم في السن.
• البدانة والوزن الزائد.
• التدخين.
• النشاطات الجسدية الصعبـــة أو العمل الشاق.
• العوامل الوراثية.
• مشاكل صحية مثل التهاب المفاصل والسرطان.
الأعراض
قد يمتد الألم أحياناً إلى أجزاء أخرى من الجسم، بحسب الأعصاب المتضررة. غالباً ما يزول الألم بلا علاج، لكن تبرز الحاجة إلى استشارة الطبيب في الحالات التالية:
• فقدان الوزن.
• اشتداد الحمّى.
• التهاب أو تورّم في الظهر.
• ألم متواصل في الظهر رغم الاستلقاء أو أخذ قسط من الراحة.
• تمدد الألم إلى الساقين أو تحــت مستوى الركبة.
• إصابة جديدة أو التعرض لضربة على الظهر.
• سلس البول.
• صعوبة في التبول.
• سلس البراز أو فقدان السيطرة على حركة الأمعاء.
• خدر في محيط المنطقة التناسلية أو فتحة الشرج أو المؤخرة.
علاجات منزلية
يمكن استرجاع الراحة عبر مسكنات الألم الشائعة من نوع مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، مثل الإيبوبروفين. كذلك، تسمح الكمادات الساخنة أو أكياس الثلج بتخفيف الألم. يمكن الاستفادة أيضاً من وقف النشاطات الشاقة، لكنّ التحرك يُخفّف التصلب والألم ويمنع ضعف العضلات.
علاجات طبية
الأدوية: إذا لم يتجاوب ألم الظهر مع المسكنات الشائعة، قد يحتاج المريض إلى مضادات الالتهاب غير الستيرويدية. يمكن استعمال الكودايين أو الهيدروكودون لفترة قصيرة، أو مرخيات العضلات ومضادات الاكتئاب مع أن الأبحاث حول فاعليتها لا تزال مستمرة والأدلة غير جازمة.
العلاج الفيزيائي: يمكن تخفيف الألم عبر الحرارة والثلج والموجات فوق الصوتية والتحفيز الكهربائي، أو حتى تقنيات ترخية عضلات الظهر والأنسجة اللينة. وحين يتحسن الألم، قد يضيف المعالج الفيزيائي بعض تمارين المرونة والقوة التي تستهدف عضلات الظهر والبطن.
حِقَن الكورتيزون: إذا لم تكن الخيارات الأخرى فاعلة، يمكن تلقي هذه الحِقَن في مساحة فوق الجافية، في محيط الحبل الشوكي. يسهم الكورتيزون في تخفيف الالتهاب حول الجذور العصبية. ويمكن استعمال الحِقَن نفسها أيضاً لتخدير المناطق المُسببة للألم.
البوتوكس: وفق بعض الدراسات السابقة، يقال إن البوتوكس يخفف الألم عبر شلّ العضلات المتشنجة. تبقى هذه الحِقَن فاعلة طوال ثلاثة أو أربعة أشهر.
العلاج السلوكي المعرفي: يسمح هذا العلاج بالسيطرة على ألم الظهر المزمن عبر التشجيع على طرق تفكير جديدة. قد يشمل تقنيات استرخاء مستهدفة وخطوات للحفاظ على عقلية إيجابية. تكشف الدراسات أن من يتلقى هذا العلاج يصبح أكثر ميلاً إلى التحرك وممارسة الرياضة، ما يؤدي إلى تراجع نوبات ألم الظهر.
الجراحة
تبقى جراحة ألم الظهر نادرة جداً، لكنها ممكنة إذا كان المريض مصاباً بانزلاق غضروفي، ولا سيما إذا أصبح الألم متواصلاً وتزامن مع انضغاط العصب، ما قد يؤدي إلى ضعف عضلي. تتعدد خيارات العمليات الجراحية:
• دمج الفقرات: يدمج الجراح فقرتَين عبر دسّ غرس عظمي بينهما، ثم يلصقهما بصفائح معدنية أو مسامير أو أقفاص. لكن يزيد خطر الإصابة بالتهاب المفاصل لاحقاً في الفقرات المجاورة.
• قرص اصطناعي: يدسّ الجراح قرصاً اصطناعياً لاستبدال البطانة بين الفقرتين.
• استئصال القرص: قد يزيل الجراح جزءاً من أحد الأقراص إذا كان متهيّجاً أو يضغط على عصب معيّن.
• الاستئصال الجزئي للفقرات: قد يزيل الجراح جزءاً صغيراً من إحدى فقرات الظهر إذا كان يضغط على الحبل الشوكي أو الأعصاب.
• ضخ الخلايا لتجديد أقراص العمود الفقري: طوّر علماء من جامعة “ديوك” في كارولاينا الشمالية مواد حيوية جديدة لضخ جرعة مسانِدة من الخلايا التصحيحية في النواة اللبية، ما يؤدي إلى التخلص من الألم المرتبط بمرض القرص التنكسي.
تــــدابــــيــــر وقــــائــــيــــة
الرياضة: تسهم الرياضة المنتظمة في زيادة قوة الجسم والسيطرة على الوزن. وقد تسمح تمارين الأيروبيك الموجّهة والخفيفة بتحسين صحة القلب من دون إجهاده أو إيذاء الظهر. لكن استشر طبيبك قبل البدء بأي برنامج رياضي.
الحمية الغذائية: احرص على أن تشمل حميتك كمية كافية من الكالسيوم والفيتامين D لأنهما عنصران أساسيان لحماية صحة العظام. تسهم الحمية الصحية أيضاً في السيطرة على الوزن.
التدخين: ترتفع نسبة المصابين بألم الظهر وسط المدخنين مقارنةً بغير المدخنين رغم تقاسمهم المواصفات نفسها من حيث العمر والطول والوزن.
وزن الجسم: يؤثر الوزن ومناطق تراكم الدهون على خطر الإصابة بألم الظهر، إذ يكون الفرق في نسبة الخطر بين البدينين وأصحاب الوزن الطبيعي بارزاً. تزيد المخاطر أيضاً حين يتركّز الوزن الزائد في منطقة البطن أكثر من المؤخرة والوركَين.
وضعية الجلوس: أثناء الجلوس، حاول أن تحافظ على استقامة ركبتَيك ووركَيك وضع قدمَيك المسطحتَين على الأرض أو استعمل مسنداً لهما. يُفترض أن تتمكن من الجلوس باستقامة تزامناً مع دعم أسفل ظهرك. إذا كنت تطبع على لوح المفاتيح، احرص على أن يكون مرفقاك بزاوية مناسبة وأبقِ ساعدَيك بوضعية أفقية.
السرير: يجب أن تختار فراشاً مناسباً لإبقاء عمودك الفقري مستقيماً تزامناً مع دعم وزن الكتفين والمؤخرة. استعمل وسادة شرط ألا يصبح عنقك بزاوية شديدة الانحدار.