كتب فرنسوا العلم في “الجمهورية”:
عادةً ما تزدحم الوعود الفارغة والمزايدات الرخيصة على ألسنة الطامحين للفوز بالمقاعد والحصص النيابية في زمن الانتخابات، الا انّ الشعارات الطنانة والحملات الإعلانية المواكبة لا تغيّر شيئاً في الحقائق والوقائع الثابتة.
والثابت في قضايا الاغتراب انّ معظم مَن تولّى المسؤوليات في الدولة اللبنانية على مدى المئة عام المنصرمة، بمَن فيهم النواب الكرام، قد تقاعس عن إقرار أبسط حقوق المغتربين، إن لجهة استعادة جنسيتهم او لجهة مشاركتهم في الحياة السياسية اللبنانية، إضافة الى حرمانهم من امتيازات بديهية أخرى، وذلك على رغم المساهمات الكبيرة التي واظَب المغتربون على تقديمها لوطنهم الام على مدى العقود في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والسياسة الخارجية وغيرها.
والثابت أيضاً انّ المنظمات الإغترابية اللبنانية قد فشلت في تشكيل اللوبي القادر على دفع الدولة اللبنانية في اتجاه تأمين تلك الحقوق، وذلك لأسباب مختلفة، من أهمها: عدم مبالاة او رفض أكثرية ممثلي المكوّنات السياسية تحقيق مطالب المغتربين المحقّة.
والحقيقة الاولى التي يسعى لطمسها إعلام المزايدين بحقوق المغتربين، هي انّ قانون الانتخاب لم يحرم مَن شاء من المغتربين حقه التصويت في دائرته المحلية لزيادة حظوظ فوز مرشّحه المحلّي المفضّل؟
والحقيقة الثانية هي ان الرئيس ميشال عون و»التيار الوطني الحرّ» بشخص رئيسه جبران باسيل هما اللذان خاضا شبه منفردين المواجهة السياسية القاسية التي أدّت الى إنتاج قانون الانتخاب الذي أقرّ للمغتربين حقّهم الطبيعي في المشاركة بالانتخابات النيابية تصويتاً وترشّحاً، كما صحّح الى حدّ كبير تمثيل اللبنانيين، وقد كان في الإمكان التوصّل الى قانون انتخابي أفضل على كل المستويات، لولا تراجع احد المزايدين اليوم عن تعهداته العلنية بدعم مشروع القانون الأساسي الذي كانت البطريركية المارونية قد تبنّته في حينه.
والحقيقة الثالثة هي ان خلفية الإصرار على إلغاء الدائرة الإغترابية تكمن في حسابات بعض المجموعات المحلية التي تشير الى إمكانية فوزها بعدد إضافي من المقاعد النيابية المحلية في حال إلغاء الدائرة الاغترابية، وبالتالي إلغاء حق ترشّح المغتربين عنها، وهو حق أساسي مُكتسب للمغتربين كلّف انتزاعه وإقراره كثيراً من الجهد والنضال.
فهل يستحق السعي غير المضمون للفوز بعدد من المقاعد المحليّة وتحقيق المكاسب الظرفية، التضحية بالمكسب الاستراتيجي الكامن في مشاركة المغتربين في السلطة التشريعية من زاوية اغترابية ما يساهم في تطعيم الحياة السياسية اللبنانية بالخبرات الإغترابية، فضلاً عن الاهتمام المباشر بقضايا المغتربين وحقوقهم ومصالحهم الأساسية والحيوية في ظل تقاعس النواب المزمِن عن القيام بذلك.
لقد منح القانون المغتربين بداية الحق في التصويت، وقد مارسوه بالفعل في الانتخابات النيابية السابقة، كذلك منحهم حقّاً إضافياً بالترشّح عن دائرة اغترابية مُحدَثة، على ان يمارسوه في الانتخابات النيابية المقبلة.
وليس صحيحاً ما يسوّق في الحملات الإعلامية المركّزة، انّ إحداث هذه الدائرة قد أُقرّ بهدف تحجيم الصوت الاغترابي بـ6 نواب طالما انه ألقى لهم الحق بالتصويت في دوائرهم المحلية.
وبأيّ منطق يقوم من ناضَل لإقرار حق المغتربين بالمشاركة في الانتخابات بتضمين القانون بنداً يؤدي الى تحجيم مشاركتهم؟
وبأي منطق يقوم من أقرّ القانون في المجلس النيابي، بتَزعّم حملة التحريض اليوم على أحد مواده، بذريعة انها تحجّم مشاركة المغتربين؟
وليس صحيحاً أيضاً ان القانون غير دستوري كونه يميّز في الحقوق بين مقيم ومغترب، بمعنى انه يمنح المقيم حق التصويت لـ /١٢٨/ مرشحاً بينما يحصر قدرة المغترب بالتصويت لـ /٦/ مرشحين فقط؛
فحق الناخبين المقيمين كما الناخبين المغتربين، ينحصر في التصويت للمرشحين كلّ ضمن دائرته الانتخابية، التي يتراوح عدد مقاعدها بين /٥/ و/١١/.
ألم يكن الأجدى للمغتربين استثمار الجهود والإمكانات الكبيرة التي وُظِّفت في الحملات الإعلامية لإلغاء حقّهم في الترشح، السعي لانتزاع مزيد من الحقوق الإغترابية، كالمطالبة مثلاً بمضاعفة عدد مقاعد الدائرة الإغترابية لزيادة فعالية حضورهم السياسي في المجلس، بدل المطالبة بإلغائها وخسارة حقهم الأساسي في الترشّح والتمثيل النيابي؟
او المطالبة بإعطائهم إمكانية التصويت من بلدان انتشارهم للمرشحين في الدائرة الإغترابية او للمرشحين في الدوائر المحلية؟
أيها المغتربون الاعزّاء، لقد بُذلت جهود كبيرة في سبيل انتزاع البعض من حقوقكم وتأمين البعض من مصالحكم الحقيقية والاستراتيجية، وأملنا كبير بوعيكم لكي لا تضيّعوها، فاحرصوا على ان لا تُستدرجوا لخسارتها بالمزايدات والشعارات الفارغة، وان لا تُستنزف طاقاتكم وجهودكم التي يحتاجها الوطن اليوم اكثر من اي وقت مضى في مهالك النزاعات الانتخابية المحلية الضيّقة، التي ستنتهي مفاعيلها حتماً عند فتح صناديق الاقتراع، فيعود بعدها الوضع الى ما كان عليه قبل الانتخابات، ويستمر نوابنا الكرام المنتخبين في الدوائر المحلية في العمل بحسب مقولة back to business as usual.