كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تبدّلت قواعد اللعبة في لبنان بعد أحداث الطيونة وعين الرمانة، إذ إنّه بات هناك رأي عام لبناني عابر للطوائف والمناطق يلتف حول مشروع الدولة.
إرتسمت صورة المواجهة المقبلة في لبنان بعد إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، ومن ثمّ مقابلة رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع مع الزميل مارسيل غانم، وبات المشهد اللبناني واضح الأفق ولا يحتمل أي تأويل.
وفي قراءة لكل ما حدث وخصوصاً بعد إطلالة جعجع، تبرز معطيات عدّة، فنصرالله ركّز كل إطلالته على شيطنة “القوات” كحزب ومؤسسة وقيادة وعقيدة، في وقت ركّز جعجع على الشق العملي وهو التصدّي لـ”حزب الله” كمشروع وليس لشعب الحزب وهذا فرق جوهري. يقول عدد من المقرّبين من “حزب الله” إنهم إنتظروا أن يُطلّ جعجع ويردّ على نصرالله مهدّداً بالقوّة وبأنه قادر على التصدّي والهجوم وليس الإكتفاء بالدفاع، لكنّ المفاجأة أن جعجع لم ينزلق إلى لعبة التهديد والوعيد فأعاد التمسّك بسلمية المواجهة وكذلك بمشروع الدولة.
يؤمن جعجع بحتمية التاريخ والجغرافيا، وربما تكون مقولة إن “الدنيا دولاب” أبرز تعبير عن حالة السياسة في لبنان، ففي هذا البلد المعقّد لا يوجد رابح دائم وخاسر دائم، فالدروز والموارنة والسنّة والشيعة تناوبوا على الحكم والإستقواء والنتيجة أن الجميع خسر.
ومن هذا المنطلق، فإن تمنين نصرالله بحماية المسيحيين لم يمرّ على جعجع، وهو الذي قال بما معناه: “مَن منّا تعرّض لشيعة في جبيل أو كل جبل لبنان أثناء إمتلاكه فائض القوة”، فكما يرفض جعجع بعض تصرفات الذمّيين المسيحيين، فإن النقطة الأساس التي سجّلها في مرمى نصرالله هي رفضه أن تكون الأقلّية الشيعية في جبل لبنان والشمال المسيحي تعيش تحت حماية المسيحيين، وأكّد أن مشروع الدولة يحمي المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء.
رفع جعجع وتيرة المواجهة مع “حزب الله” ولم يأبه لفائض القوة، فنصرالله الذي حاول الإستفراد بـ”القوات” على قاعدة أن بقية الأطراف تعلّمت من 7 أيار، وقد نجح في نقل رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط إلى الموقع الوسطي وأخرج الرئيس سعد الحريري من المواجهة، لم يستطع تدجين “القوات”. لا شكّ أن نصرالله تفاجأ بأن “القوات” ذهبت بالمواجهة معه إلى النهاية مستندة إلى بيئة لبنانية شاملة من كل الطوائف وليس فقط إلى جمهور “القوات” والمسيحيين، والملفت في كلمة جعجع هو قوله ان مشكلة “حزب الله” ليست فقط معنا بل مع جميع اللبنانيين، وبالتالي تحوّل الحكيم إلى رمز للعصب السيادي الذي غاب لفترة طويلة نتيجة التسليم بقوّة “الحزب” وبأن مواجهته سياسياً غير واردة على الإطلاق.
أطلق جعجع نفير المواجهة مع “حزب الله” من دون تراجع، ودعا ذاك “الحزب” إلى ان “يفكّ عن سمانا وعن سما اللبنانيين”، مستخفّاً بتهديد نصرالله بامتلاكه 100 ألف مقاتل، وبالتالي فإن المواجهة في البلاد باتت بين مشروع “الحزب” المتمسّك بدويلته وبين المشروع السيادي الذي تقوده “القوات” والذي يسعى إلى بناء دولة عادلة للجميع.
لا شكّ أن جعجع تخطّى حدود الداخل وبات رمزاً إقليمياً خصوصاً لأنه تجرّأ وحيداً وتصدّى لـ”حزب الله” الذي يقاتل في اليمن والعراق وسوريا، وهذا الأمر يفتح آفاقاً جديدة أمام “القوات” لإيصال الصوت السيادي الذي يخدم كل لبناني حرّ، لذلك فإن التأكيدات القواتية هي بأن المعركة بدأت الآن وليست هناك مهادنة مهما كثر التهديد والوعيد ومحاولة تركيب ملفات على غرار ملف “سيدة النجاة”، فالمعادلة التي رسمها جعجع واضحة وبسيطة: أُطلَب إلى التحقيق فيجب أن يُطلَب نصرالله قبلي.