Site icon IMLebanon

في لبنان: 3 من كلّ 10 أطفال يخلدون إلى النوم جائعين

أفاد مكتب “اليونيسف” في بيروت بأنّ 3 من كل 10 أطفال يخلدون إلى النوم جائعين أو يتخطون وجبات الطعام.

وجاء في التقرير: “دفعت الأزمات المتراكمة والمتداخلة في لبنان كثير من الأسر الى النضال من أجل البقاء، بعدما أصبح أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر. وهناك من يردّ الظروف السيئة جدا، لا بل الأسوأ حتى من ظروف الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، الى تتالي الأزمات من إقتصادية الى جائجة كوفيد-19 الى انفجاري بيروت في آب 2020 وما لحق كل ذلك من عدم الإستقرار.

يقع مخيّم “الحسبة” في جنوب لبنان، عند سفح جسر، الى جانب أتوستراد مزدحم، تتفرع منه أربع بلدات صيداوية. وطالما كان هذا المخيّم، طوال العقود الثلاثة الماضية، موطئا لأكثر من عشرين أسرة لبنانية من جذور فلسطينية.

يعيش حمد، 30 عاما، في المخيم منذ كان فتيا. ويقول “لم تكن الحياة سهلة على الإطلاق. وكلّ قرش نجنيه ننفقه على المستلزمات الأساسيّة مثل الطعام والملابس والإيجار والأدوية. أما الكماليات فنسيناها منذ وقت طويل. لكن، المؤسف، أننا لا نملك حتى المال للضروريات.

هنا، في الحسبة، الأزقة ضيقة وما يلفت هو خلو المخيّم من النفايات التي تُشكل في أحيان كثيرة أرتالا خارجه. ويكمن السبب في أن السكان لا يستهلكون كثيرا، وكلما كان الإستهلاك أقل كانت القمامة أقل. يُضاف الى ذلك أن هناك من يعمد من سكان المخيم الى جمع كل ما له قيمة من القمامة مثل الزجاج والألمنيوم وقصاصات ورق التغليف وإعادة بيعها. أما الأكياس البلاستيكية فيُعاد إستخدامها.

يمضي حمد قبل ظهر كل يوم بحثا عن الخردة في القمامة، على جنبات الطرقات، آملا أن يجد ما يعيد بيعه فيدرّ عليه دخلا ضئيلا يؤمن بعض قوت وحاجيات عائلته. هو يبحث عن سبل البقاء في حين تستمر الأسعار في الإرتفاع- فقد زادت أسعار كثير من المواد الغذائية نحو ثلاثة أضعاف خلال العام المنصرم- في حين إستمرت الأجور على حالها ولم تواكب زيادة الأسعار.

يجني حمد نحو 150 ألف ليرة لبنانية أسبوعيا (أي ما يعادل 10 دولارات أميركية حسب سعر الصرف حاليا في السوق السوداء)، وهو يُنفق معظم ما يجني على تأمين الطعام. هو يُخبّر عن ذلك مبتسما ويشرح “لم نر أقله قطعة واحدة من اللحوم منذ خمسة أشهر. تأمين الدواء شبه مستحيل أيضا. وحين نواجه طارئا ما أبحث أكثر علني أجد عملا إضافيا. لا أعرف ماذا سيُصيب عائلتي إذا تعرضتُ الى وعكة صحيّة”.

نراه يومئ برأسه نحو إبنه عمار البالغ من العمر 11 عاما مرددا: “هو لا يزال يافعا ولا يملك القوة الكافية لينخرط في مجال العمل” ويستطرد بالقول “لن يمرّ وقتا طويلا قبل أن يضطر الى الخروج الى معترك الحياة وكسب بعض المال على نسق ما أفعل”. يبدو، بحسب ما يقول حمد، أن المدرسة ليست في أولويات خطة الأسرة لأطفالها. التعليم، أقله في الوقت الحالي، ليس أولوية الى كل سكان الحسبة. الأهم الى هؤلاء توفير ما يساعد على البقاء على قيد الحياة.

في تقييم سريع أجرته اليونيسف في نيسان 2021، ظهر أن الفتيان والفتيات وأسرهم يواجهون نقاط ضعف متعددة بسبب الازمة الإقتصادية المستمرة. وبيّن الإستطلاع أن 10 في المئة من الأطفال باتوا يعملون في أحد أشكال العمل لقاء أجر- 22 في المئة من أطفال اللاجئين السوريين و7 في المئة من الأطفال الفلسطينيين و4 في المئة من الأطفال اللبنانيين.

وأظهر الإستطلاع أيضا أن ثلاثا من كلّ عشر أسر لديها طفل واحد على الأقل أوى الى فراشه بلا عشاء أو تخطى تناول وجبة واحدة على الأقل من الوجبات الثلاث. ودلّ أيضا الى أن جميع الأسر تعاني جراء إرتفاع أسعار المواد الغذائية.

شادي، أحد جيران حمد، لديه معاناته أيضا ويقول: “حياتُنا أصبحت اليوم صعبة للغاية. نادرا ما نأكل حدّ الشبع”. فقد شادي العام الماضي عمله في سوق الخضار ويشرح “حين ارتفعت أسعار الخضار كثيرا أصبح صعبا على كثير من الأشخاص- على من هم مثلي- شراء الخضار والفاكهة”. هو الآن يحاول إلتقاط أي فرصة عمل يتمكن من أدائها، مهما كانت، كي يتمكن من الإستمرار ويقول “أعيش بقدر ما في جيبي” وهو طبعا قليل جدا جدا هذه الأيام. يجني شادي نحو 10 آلاف ليرة لبنانية يوميا (أي ما يعادل 0,66 دولارا وفق سعر الصرف اليوم في السوق السوداء) وبهذا المبلغ الزهيد جدا يحاول توفير الطعام والسكن والثياب الى أطفاله التسعة.

لا يزال شادي قادرا الى حدّ ما على شراء الطعام، أو لنقل بعض أنواع الطعام ويقول “نتناول العدس والأرز وبعض أنواع الخضار. وهنا، في الحسبة، إعتاد الناس على مساعدة بعضهم البعض- هذا كل ما يمكننا فعله فليس أمامنا خيارا سوى الإنتظار”.

زينب، 16 عاما، نراها تتكئ على حاجب الباب. هي كانت تذهب الى المدرسة قبل وباء كوفيد-19 وهي اليوم، بعد تقليص إجراءات الإقفال، تأمل أن تعود إليها بمجرد عودة الحياة الى طبيعتها. والدها لا يبدو متفائلا  كثيرا بذلك ويقول: “من سيتمكن من دفع كلفة الحافلة التي ستقلّ إبنتي الى مدرستها أو ثمن إنتقالها عبر سيارة أجرة؟ لن أستطيع تحمل هذه الكلفة بعد الآن”.

لم تغادر زينب طوال الأشهر الماضية الحسبة أبدا ولم تعبر حتى الجسر القريب وتقول أين يمكنني الذهاب بلا نقود؟ وما دامت هذه حالتي فلماذا أفكر حتى بما لن يتحقق؟”.