كتب منير الربيع في “المدن”:
عاد لبنان حكومة وشعباً إلى حال الأسر. مخاطر عديدة تهددّ بتفلّت أمني وسياسي واجتماعي. الأزمة المالية والإجتماعية توغل بالاستفحال. والأزمة السياسية تتصاعد أكثر بأبعادها القضائية والأمنية وكل الحسابات التفصيلية، بما فيها ما يجب أن تشمله أي تسوية لمعالجة الملفات بين القوى المعنية، من حلول قضائية جزئية أو تعيينات على الطريقة اللبنانية. تنذر الوقائع الحالية بالمزيد من التوتر والتصعيد ببعد داخلي، له علاقة بالصراعات المستمرة وعنوانها الانتخابات، وببعد خارجي يرتبط بتسارع وتيرة الأحداث الإقليمية والدولية، سواء باتجاه تجديد التفاوض والوصول إلى اتفاق، أم باتجاه التصعيد في حال بقي الأفق مسدوداً. وهذا سيكون له أثر وانعكاس على الواقع في لبنان.
موت سريري
إنها مرحلة تنظر فيها القوى السياسية اللبنانية إلى بعضها البعض بأنها جزء من مشاريع خارجية هدفها الانقضاض على خصومها. لذلك يُعطى بعد خارجي لأي موقف يتخذه أي طرف. ولذلك مثلاً ينظر حزب الله بريبة إلى التحقيقات في تفجير المرفأ، ويعتبر نفسه مستهدفاً من خلال المسار الذي يتبعه القاضي طارق البيطار. يرفع الحزب من لهجته ضد القاضي، ويتهمه بأنه مدعوم من قبل جهات خارجية. بينما في المقابل، خصوم الحزب ولا سيما القوات اللبنانية، يعتبرون أن المعركة التي فتحت معهم بعد أحداث الطيونة، هي حلقة ضمن مسلسل قابل لأن يستمر ويتطور على وقع التصعيد الإيراني الإقليمي في المنطقة. وسط هذه المعادلات الحزبية، تعيش الحكومة حالة موت سريري، لا مجال لإعادة الحياة إليها قبل الوصول إلى اتفاق شامل يرضي الجميع، بدءاً من الملف القضائي وصولاً إلى الإتفاق على سلة تعيينات.
تحت سقف هذه الحكومة وصراعات مكوناتها، يعيش اللبنانيون حالة غليان اجتماعي واقتصادي على وقع استمرار مسار التدهور، والذي قد يحدث أي انزلاق جديد نوعاً من صدمة اجتماعية تفضي إلى تفلت كبير، إما بارتفاع سعر الخبز أو مزيد من الارتفاع في أسعار المحروقات.. هذه كلها أصبحت ملفات قابلة للانفجار الاجتماعي في أي لحظة. وسيكون لبنان على موعد مع تحركات مطلبية يوم الأربعاء المقبل الذي يدعو إليه السائقون العموميون والاتحاد العمالي العام.
حزب الله والكونغرس
أما مقومات التصعيد الأخطر فتبقى سياسية، خصوصاً إذا لم يتم الوصول إلى تسوية ترضي القوى المتصارعة فيما بينها. ولهذا التصعيد أبعاد خارجية، على وقع البحث عن مقومات لإعادة إحياء التفاوض النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. وهنا لا بد من رصد جملة مواقف. فبالتزامن مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي لملف الطاقة، آموس هوكشتاين، إلى لبنان، وإعادة السعي إلى إحياء مفاوضات ترسيم الحدود، برز موقف إيجابي من قبل حزب الله، الذي جدد الوقوف خلف موقف الدولة اللبنانية. لكنه رفع منسوب التهديد والاستعداد للتحرك دفاعاً عن الثروة النفطية للبنان إذا تهددها أي تنقيب إسرائيلي. يتزامن ذلك مع ما أقرته لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي حول حزب الله، واتهامه بأنه يقوض عمل القضاء في لبنان، واتهامه بالفساد. وهو أول موقف أميركي من نوعه يتناول الحزب في ملفات لبنانية تفصيلية. ولا ينفصل هذا الموقف الأميركي عن الاهتمام الذي تبديه الإدارة الأميركية في سبيل إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، وهو يعني زيادة منسوب الاهتمام الأميركي بالملفات اللبنانية الداخلية.
التفاوض مع صندوق النقد
إلى جانب كل هذه الملفات، لا تزال الخلافات اللبنانية قائمة حول العديد من بنود خطة الإصلاح الاقتصادي، التي يفترض بموجبها الذهاب إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي. فحتى الآن، تشير المصادر إلى أن الخلافات قائمة حول آلية توحيد الأرقام والجهة التي تتحمل المسؤولية. وهنا أطلق نصر الله إشارة إلى آلية التفاوض مع الصندوق، بشرط أن لا يخضع لبنان للإملاءات الدولية. هذا الموقف تصفه المصادر بأنه إعتراض ضمني من نصر الله على محاولة تحميل مسؤولية الأزمة ونتائجها للمودعين لصالح المصارف، فيما جهات أخرى تصف موقف نصر الله بأنه محاولة لرفض أي شروط قد يفرضها صندوق النقد الدولي. ما يعني توجيه ضربة جديدة لحكومة ميقاتي، على غرار الضربات الاقتصادية والمالية التي وجهت لحكومة حسان دياب.
إنها مرحلة مفصلية يعيشها لبنان، يحبس اللبنانيون أنفاسهم بانتظار تبلور ما سينتج عنها، إما عن طريق إيجاد تسويات لا تنتج حلولاً جذرية، وإما أن يغرق البلد في فوضى أكبر.