كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
على الرغم من صعوبة الوضع ودقّته، بدت حكومة نجيب ميقاتي ما دون التحديات التي تواجهها. أو بالأحرى لم يبدِ رئيسها أي إشارة من شأنها أن تظهر أنّه مستعد لمواجهة البركان المتفجّر من خلال خطة انقاذية – إصلاحية قادرة على لجم الانهيار ووقف تبعاته الملتهبة. لا بل يتصرّف رئيس الحكومة وكأنّه يحاول تمرير الوقت لا أكثر، لينظّم الانتخابات النيابية بأقلّ الأضرار الممكنة، وأقل الأكلاف السياسية التي يتطلبها مشروع نزع الألغام الإصلاحية. أمّا غير ذلك فمتروك لما بعد الاستحقاق.
حتى الكهرباء التي تعتبر العصب الحيوي لأي خطة انقاذية يُراد لها أن تنجح وأن تكون مقبولة دولياً، لا تزال أسيرة الأخذ والردّ والصراعات السياسية من دون أن يلوح في الأفق أي مشروع يمكنه أن يوقف الهدر بمليارات الدولارات، باستثناء “الشحادة” من العراق وانتظار الغاز المصري والكهرباء الأردنية.
في المقابل، يختبئ ميقاتي خلف الاعتراض الذي يسجّله “التيار الوطني الحرّ” على الصلاحيات التي يمنحها القانون 462/ 2002 للهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، ليهرب من هذا الاستحقاق مع أنّه مطلب دولي، يتقدّم على الكثير من الشروط الإصلاحية التي تفرضها الدول المعنية بالملف اللبناني لتقديم المساعدة وفكّ الحصار المالي، وهذا ما يواظب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تكراره على مسامع المسؤولين اللبنانيين. ولكن حتى اللحظة، لا استعداد لتأليف الهيئة، إلا بعد نسف دورها من خلال تحويلها إلى هيئة استشارية بينما المطلوب منها أن تكون هيئة ذات صلاحيات تقريرية.
ولحسم اللغط حول الشكوى من تضارب الصلاحيات بين وزير الطاقة والهيئة، وهي العلّة التي يرتكز عليها العونيون لضرب دور الهيئة بحجة تجاوز الدستور، أعلن معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية عن دراسة أعدّها مارك أيوب، باميلا رزق الله وكريستينا أبي حيدر، حول قطاع الكهرباء بشكل عام، والهيئة الناظمة بشكل خاص، مفنّداً الحدّ الفاصل بين صلاحيات الوزير وتلك العائدة إلى الهيئة بشكل يحترم الدستور والقوانين المرعية الاجراء لا سيما في ما خصّ الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور بشأن الوزير، واضعاً جدولاً زمنياً لمراحل تأليف الهيئة لتمكينها من دورها.
تحاول الدراسة أن تجيب على سؤال أساسي طرحه النقاش حول صلاحيات الهيئة التي ينصّ عليها القانون 462: هل تقتصّ الهيئة فعلاً من صلاحيات الوزير بشكل مخالف للدستور؟
يتبيّن وفق الدراسة أنّ القانون لا يبعد الوزير بشكل نهائي عن ملف الطاقة، لا بل يحتفظ الأخير بالكثير من الصلاحيات ولعل أهمّها وضع السياسة العامة للقطاع، اقتراح سياسة الانتاج، وضع الدراسات والخطط تمهيداً لاقرارها في مجلس الوزراء… في المقابل فإنّ القانون ينيط بالهيئة الشقّ التنفيذي أي ذلك المرتبط بمنح التراخيص وتحديد التعرفة، وأحوال الشبكة. ما يعني أنّ الطرفين يكملان بعضهما البعض لا العكس، كما يدّعي العونيون.
العلّة الأهم هي أنّ القانون برمته، والموضوع في العام 2002 لا يمكن الانطلاق في تطبيقه إلا بعد تعيين الهيئة، ولذا جرى تعديل المادة السابعة منه المتصلة بمنح التراخيص أكثر من مرة بهدف تجاوز شرط تأليف الهيئة، ما يعني تعليق كلّ خطة تحديث القطاع والتي تبدأ بالتشركة أي فصل القطاعات الثلاثة التي تتولاها راهناً مؤسسة كهرباء لبنان بشكل احادي، أي الانتاج، النقل والتوزيع.
وتقترح الدراسة جدولاً زمنياً مدته سنة لتطبيق القانون، يبدأ بوضع آلية لتأليف الهيئة ووضع المرسوم التطبيقي لقانون التشركة، على أن يصار بعد ثلاثة أشهر إلى تعيين الهيئة لتعطى مهلة ستة أشهر من بعدها لوضع هيكليتها الإدارية والانطلاق بعملها، بعد تطبيق قانون التشركة حيث يفترض أن يتولى الانتاج والتوزيع القطاع الخاص بالشراكة مع القطاع العام (معملا انتاج لتغطية الحاجة بين 1500 و2000 ميغاواط) فيما يبقى نقل الطاقة ملك الدولة، وهنا يفترض أن يكون من ضمن مهام الهيئة تحديد مصير موظفي مؤسسة كهرباء لبنان وتوزيعهم على القطاعات الثلاثة حسب الحاجة والكفاءة.
بالنتيجة، الهيئة الناظمة والتشركة هما قفزة نوعية وانتقالية قبيل تحرير القطاع بشكل كامل بالتزامن مع إلحاق القانون بقوانين الطاقة المتجددة، علماً بأنّ العمل جار على مشروع قانون الطاقات المتجددة الموزّعة الذي يفتح السوق أمام القطاع الخاص ويحفّزه على الاستثمار.
وفي هذا السياق تؤكد الخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر لـ”نداء الوطن” أنّ تطبيق القانون 462 هو الباب الرئيسي لأي اصلاح في قطاع الكهرباء اذ لا يمكن عقد شراكة ناجحة مع القطاع الخاص بلا هيئة ناظمة مستقلة وفاعلة وبعيدة عن التجاذبات السياسية، لافتة إلى أنّ الإصلاح الحقيقي هو بتأمين آلية واضحة وشفافة لتعيين أعضاء الهيئة فوراً وبلا تأخير.
بعض الأرقام
وقد تضمّنت الدراسة بعض الأرقام اللافتة، منها على سبيل المثال يفنّد قطاع المولدات التجارية الخاصة وقد تبيّن أنّ عددها يقدّر بين 32 و36 ألف مولد على كامل المساحة اللبنانية وهي تنتج حوالى 1333 ميغاواط، ويبلغ حجم هذا السوق أكثر من 1.1 مليار دولار، ويضمّ حوالى مليون مشترك.
وقد تبيّن وفق ميزانية مؤسسة كهرباء لبنان للعام 2018، أنّ الهدر التقني بلغ 17% أي ما قيمته 341 مليون دولار، فيما الهدر غير التقني بلغ 21% أي ما قيمته 350 مليون دولار، وقد قدّرت الفواتير غير المجباة بـ388 مليون دولار، أما الجباية فقدّرت بـ975 مليون دولار.
في المقابل بلغت مصاريف المؤسسة سنوياً، حوالى 1680 مليون دولار للفيول، فيما قدّرت المصاريف التشغيلية بنحو 227 مليون دولار، أمّا الطاقة المشتراة فبلغت 237 مليون دولار، فيما قدّرت المصاريف الرأسمالية بنحو 223 مليون دولار مقابل مصاريف إدارية بلغت حوالى 123 مليون دولار، الى جانب مصاريف أخرى بلغت 345 مليون دولار. في المحصلة بلغ العجز السنوي 1.8 مليار دولار.