كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
بدأت تدور في مراكز القرار والأروقة السياسية أحاديث عن تحالفات تُنسج أو أخرى في طور الظهور، خصوصاً وأن موعد الإنتخابات بات داهماً.
بعد انتهاء الإنتخابات النيابية في العام 2018، وفي إحدى الجلسات مع سفير دولة خليجية ناشطة في لبنان، تمّ سؤال السفير: كيف تعلّقون على فوز “حزب الله” وحلفائه بالغالبية البرلمانية؟ فكان جوابه: هل نحن من أعطيناه هذه الغالبية أو بعض تحالفات من كان يُطلق على نفسه قوى 14 آذار؟
وفي حديث السفير غمز من قناة تيار “المستقبل”، إذ يعتبر أن “حزب الله” لا يستطيع الفوز بفائض القوة الشيعية، بل إنه يحتاج إلى حليف مسيحي قوي إضافةً إلى حلفاء من بقية الطوائف، وقد أهدى تيار “المستقبل” هدايا ثمينة لـ”حزب الله” من خلال التحالف معه في دوائر زحلة وبيروت الأولى والشمال المسيحي، حيث وقف الحريري في بلدة رأسنحاش البترون ذات الغالبية السنية مخاطباً جمهوره قائلاً: “صوتكم التفضيلي لجبران صديقي”، ما رفع الحاصل الإنتخابي في هذه الدائرة وأعطى “التيار” نائباً إضافياً في الكورة هو جورج عطالله الذي فاز بدل مرشح “المستقبل” النائب نقولا غصن.
ولا تتعلّق المسألة هنا فقط في عدد النواب، بل في التوازنات السياسية في البلد، إذ إن المعركة تُخاض حالياً تحت عنوان إسترجاع السيادة وتحرير الأكثرية النيابية من سيطرة “حزب الله” وحلفائه، والذين أوصلوا البلاد إلى عزلة عربية ودولية ويعطّلون مجلس الوزراء.
وهنا يغرق البعض في التفاصيل، ويذهب بعض الممتعضين من العهد إلى حدّ تفضيل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية على رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل من حيث السلوك.
ويبدو أن الحريري احتضن فرنجية، فهو كان مرشحه إلى الإنتخابات الرئاسية في خريف 2015 قبل أن يسير بالعماد ميشال عون رئيساً نتيجة التسوية الرئاسية التي أُبرمت، وعاش كل من عون والحريري وباسيل شهر عسل، وذهب الحريري بعيداً في علاقته مع عون وباسيل لدرجة أنه قَبِل أن يمثّل عون في أحد الإحتفالات الطرابلسية، ما أثار حفيظة الأطراف السنية التي رأت في هذه الخطوة ضرباً لموقع رئاسة الحكومة.
وإذا كان تيار “المستقبل” ينوي فعلاً التحالف في الإنتخابات النيابية مع فرنجية فإن هذا الأمر يأتي من رغبة شخصية بالإنتقام من باسيل، لكن في الوقت نفسه يريح “حزب الله” والرئيس نبيه برّي.
إذاً، بات واضحاً أن الحريري بدعمه فرنجية إنما هو يساعد صديق الرئيس السوري بشّار الأسد و”حزب الله”، والدليل أنه في الإطلالة الأخيرة للأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله، أشاد الأخير بفرنجية وبوقوفه إلى جانبهم، كما أن النائب طوني فرنجية وقف في صف “الحزب” أخيراً في موضوع منع المغتربين من الإقتراع لأن “الحزب” لا يريد ذلك قبل أن يُقرّ هذا الحق في مجلس النواب، ما يعني أن تأييد فرنجية لـ”حزب الله” هو تأييد مطلق.
لكن الحريري يرتاح إلى فرنجية لأنه إبن النظام الذي وُلد بعد اتفاق “الطائف” وكانت ميزته الأساسية المحاصصة والسمسرة والفساد والإنهيار الذي وصل إليه لبنان حالياً، ما يعني أن “المستقبل” لا يقيم حساباته الإنتخابية على أساس كسر أكثرية “حزب الله” وتحرير اللبنانيين من هذه القبضة بل على أساس من يؤمّن إستمراريته في السلطة.
وفي حال تمّ التحالف الإنتخابي بين “المستقبل” و”المردة”، فإن التيار الأزرق قادر على تأمين حاصل في دائرة الشمال الثالثة التي تضمّ أقضية الكورة والبترون وبشرّي وزغرتا، نظراً لوجود ثقل سنّي في هذه الدائرة من دون أن يكون هناك مقعد سنّي، وحتى لو رشّح “المستقبل” مرشحاً مسيحياً في الكورة فإن الغلبة ستكون لمرشح “المردة” لأن النائب فايز غصن سيحصد نسبة أصوات أكثر من المرشح المستقبلي، ولن تستطيع لائحة فرنجية حصد أكثر من مقعد في الكورة، إلا إذا قرر نائب رئيس مجلس النواب الأسبق فريد مكاري الترشح مجدداً وهذا أمر مستبعد.
ومن جهة أخرى، التحالف بين “المستقبل” و”المردة” في عكار سيرفع حظوظ “المردة” بالفوز بمرشح خصوصاً إذا كان المرشح هو كريم الراسي، والأمر نفسه سينطبق على دائرة طرابلس- المنية – الضنية حيث سيسمح هذا التحالف بإعطاء فرنجية نائباً في هذه الدائرة.
وإذا سارت الأمور بهذا الشكل، فإن “المستقبل” يكون قد أهدى “المردة” 3 نواب من دون أن يكسب شيئاً، وبذلك ينتصر “حزب الله” وبري، عندها ينصرف “الحزب” لدعم حليفه المسيحي الثاني، أي باسيل، بعدما يكون الحريري قد قام بمهمة دعم حليفه فرنجية، وتعود الغالبية النيابية إلى حضن “حزب الله”، مدعومة بمئة ألف مقاتل مجهزين مدربين مسلحين مؤدلجين معبّئين و150 ألف صاروخ…، ما يسمح له بالتحكّم بالإستحقاق الرئاسي والحكومات الجديدة ومفاصل الدولة.