Site icon IMLebanon

“إستنفار عام” قوّاتي وإلتفاف سيادي حول معراب

في المشهد العام، خمول رئاسي وحكومي ومؤسساتي على كافة مرابض الإصلاح والإنقاذ، وانتكاسات قاصمة لسلطة القانون وسطوة العدالة، وانهيارات جارفة تحت أقدام المواطنين على مختلف الأرضيات المعيشية والمالية والحياتية، حيث تواصل السوق السوداء نهش مقدرات الناس بأنياب “الاقتصاد المتوحّش”. وعلى ضفاف هذا المشهد المأسوي، نجح “حزب الله” في إعادة تسعير أرضية التجييش والاحتقان في البلاد فارضاً إيقاعه على مفاصل الدولة ومؤسساتها الرئاسية والتنفيذية والقضائية، ضمن إطار “خطة محبوكة” مسبقة الدفع باتجاه ربط النزاعات والملفات وتطويعها في خدمة أجندته.

وإذا كانت “الخطة” نجحت مبدئياً بشبك الحبال الحكومية والأمنية والسياسية والقضائية في سلة واحدة متداخلة الأهداف، بدءاً من محاولة إجهاض التحقيق العدلي في جريمة المرفأ وصولاً الى محاولة تطويق “القوات اللبنانية” وتجريمها في أحداث الطيونة، فإنّ الوقائع الميدانية وموازين القوى الوطنية سرعان ما أعادت تقويض مفاعيلها تحت وطأة الالتفاف الشعبي والسيادي حول معراب، التي أطلقت على جبهتها نفير “إستنفار قواتي عام” لصد “غزوة عين الرمانة” المستمرة، والتصدي لها على كافة الجبهات “القانونية والروحية والسياسية والشعبية”.

في الشق القانوني، وبعدما بات بحكم “الأكيد أكيد أكيد” أنّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لن يحضر إلى وزارة الدفاع اليوم، تنفيذاً لورقة استدعائه الصادرة عن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي على خلفية أحداث الطيونة، فإنّ وكلاءه استهلوا بالأمس مسار المواجهة القانونية في هذه القضية بتقديم مذكرة إلى القاضي عقيقي تبيّن عدم قانونية تبليغ جعجع بالشكل الذي حصل، وسط إعادة توكيد المصادر “القواتية” على كون ملف التحقيقات “فارغاً من أي دليل أو شبهة تدين القوات أو رئيسها، إنما على العكس من ذلك كل وقائعه تفيد بأنّ ما حصل على الأرض في 14 تشرين الأول كان وليد اشتباك موضعي من دون لا كمين ولا قنص”.

وبالموازاة، بدأت معالم الاستنفار تفرض نفسها بقوة على صورة المشهد “القواتي” سواءً في الميزان السياسي والإعلامي على وقع التصريحات العازمة على مجابهة تمادي “حزب الله” في ترهيب الدولة والقضاء واللبنانيين المعارضين لأجندته، أو في كفة الميزان الشعبي مع الدعوة إلى مسيرة حاشدة اليوم انطلاقاً من كازينو لبنان مروراً بحريصا وبكركي ووصولاً إلى معراب، بالتزامن مع إقفال عام سيسود بشري “دعماً للحكيم” و”رفضاً للظلم” على وقع قرع أجراس الكنائس بين الساعة التاسعة صباحاً والواحدة ظهراً.

أما على المستوى الروحي، فقد طغت على شريط أحداث الأمس الحركة المكوكية التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي بين المقرات الرئاسية الثلاثة والتي أفضت إلى لجم النزعة الاستقوائية الهادفة إلى فرض الخيارات والتوجهات بالترهيب والتهديد المسلّح. فمن عين التينة إلى السراي الحكومي فقصر بعبدا، عبّد الراعي الطريق السالك والآمن أمام إخراج البلد من “عنق الزجاجة” مبشّراً بالتوصل إلى صيغة “حل دستوري سياسي” لمختلف الأزمات المتناسلة والمتداخلة على الساحة الوطنية، بعيداً عن “الشارع والسلاح وفرض القوة والرأي، والاستقواء”.

وإذ بدا البطريرك الماروني حاسماً في موقفه الداعي إلى وجوب خضوع جميع الأفرقاء والأحزاب ومختلف أطياف البلد ومكوناته “تحت سقف القانون” لتكون العدالة “فوق الجميع وإلا عبثاً نتكلم مع بعضنا البعض”، جدد في الوقت عينه “استهجان” استدعاء رئيس “القوات” إلى القضاء العسكري على خلفية أحداث الطيونة، مستغرباً من عين التينة الإقدام على استدعاء رئيس حزب لمساءلته عن أفعال يتهم بها بعض المنتمين لهذا الحزب.

وفي المقابل، حرص الراعي على الإشادة بـ”الأفكار الجيدة جداً” التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري، معرباً عن مباركته لها والعمل على الدفع قدماً باتجاه تبنيها وتنفيذها مع المراجع المعنية، موضحاً أنه “لم يعد جائزاً أن نكمل كما نحن عليه اليوم لأنّ لبنان يموت والشعب يرحل والدولة تتفتت”. وعلى الأثر، انتقل إلى السراي الحكومي حيث أكد بعد لقائه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أنّ البحث تمحور حول “ما يمكن القيام به أمام الواقع الخطير”، بما يشمل إيجاد الحلول المناسبة لكل الأزمات الحاصلة وعودة الحكومة إلى الاجتماع، ناقلاً عن ميقاتي أنه “مقتنع بالحل” الذي يطرحه بري.

وللغرض نفسه، ختم البطريرك الماروني جولته الرئاسية في قصر بعبدا حيث حصل على موافقة رئيس الجمهورية ميشال عون على “الحل الدستوري والقانوني” المطروح للأزمة، تاركاً لعون مسؤولية أن “يقول للسيارة أن تمشي إلى الأمام”، بعدما تم التوصل إلى صيغة حلول مناسبة للأزمات المتشعبة، مع تشديده على وجوب أن يبدأ التنفيذ “من راس بكرا”.

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة على أجواء قصر بعبدا، عن أنّ “توليفة” الحل المطروح تقوم على اتفاق الرؤساء الثلاثة على عزل قضية انفجار المرفأ عن العمل الحكومي، موضحةً أن هذا الاتفاق “يقضي بفصل التحقيق في القضية إلى قسمين، الأول يتعلق بمساءلة الرؤساء والوزراء والنواب أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بينما القسم الثاني يتصل بالتوافق على مواصلة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار تحقيقاته في كل ما هو ليس على علاقة باستجواب الوزراء والنواب”.