بينما البلاد تتخبط في أزمة اقتصادية مخيفة تزداد صعوبة يوما بعد يوم، مجلس الوزراء معطّل ومشلول، فيما القيمون عليه يكتفون بمواقف تشدد على ضرورة ان يستأنف نشاطه. امس، قال رئيس الجمهورية ميشال عون امام زواره في قصر بعبدا، ردا على سؤال عن التعطيل القائم لعمل الحكومة في ظل التفاوض مع صندوق النقد الدولي ان “اللجان المسؤولة عن تحضير الملفات والتفاوض ما زالت تقوم بعملها، ولكن مجلس الوزراء لا يعيش فقط من خلال اللجان، وعليه العودة الى الاجتماع سريعا لتحقيق خطوات عملية وجدية تريح المواطنين، ولانجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي”…
كما اكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “أننا نتطلع الى معاودة جلسات مجلس الوزراء في اقرب وقت لاستكمال القرارات المطلوبة لتفعيل عمل الهيئات واللجان وانجاز المطلوب من الحكومة وفق ما اعلنت عنه في البيان الوزاري”..
في المقابل، قرر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التحرك لكسر هذا الجمود، فتنقل بين مقار الرئاسات الثلاث، متحدّثا عن طرح تم التوافق عليه، أجمع عليه الجميع، سيكون كفيلا باعادة مجلس الوزراء الى الحياة.
حتى الساعة، الخبر ايجابي وجيد. الا ان ما رشح عن مضامين هذا “الطرح السحري”، اثار اكثر من علامة استفهام. فقد قيل ان فحواه “احالة الوزراء والرؤساء والنواب السابقين المستدعين امام المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار، الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، الامر الذي يحصر صلاحيات البيطار بالموظفين العاديين وسواهم. بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، فإن هذا الاقتراح ، ان صدق، طُرح في السابق ومصدره عين التينة، وتشير الى ان ما جرى امس هو ان الراعي سمعه من رئيس المجلس نبيه بري فحمله الى السراي فبعبدا حيث سمع “لا ممانعة” عليه، كونه يحترم مبدأ فصل السلطات. غير ان معطيات اخرى رشحت في الساعات الماضية، اشارت الى ان الثنائي الشيعي، الى اعتماد هذا الخيار، يريد ايضا ازاحة البيطار وتنحيته ، وهو لن يتخلى عن مطلبه هذا.
وبينما سيتظهّر الموقف الحقيقي من هذه القضية في الساعات المقبلة، خاصة وأنها قد تُطرح في المجلس النيابي غدا، ناقش رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية اليوم في بعبدا، امكانية الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في حال سلكت التسوية القضائية طريقها من محطة البرلمان.
لكن المصادر تحذّر من ان المخرج المقترح يشكّل رضوخا لارادة حزب الله اذ انه يكسر القاضي بيطار، كما انه يكسر ارادة اهالي ذوي الضحايا – الذين رفضوا في بيان اليوم التسوية العتيدة في حال صحّ فحواها – ومئات اللبنانيين الذين تضرروا من انفجار المرفأ، المتمسّكين بمثول “الجميع” اما القضاء العدلي لا سواه، ناهيك بكونه يضرب هيبة القضاء ويسدد ضربة الى لبنان – الدولة والى الحكومة الوليدة، ستشوّه صورتها غير الجميلة اصلا، في عيون اللبنانيين والعالم.
واذ تعرب عن اسفها لكون مجاراة الثنائي باتت الحل الوحيد، تسأل المصادر “ما الذي يمنع سيّد السراي، من الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء؟ وهل يخاف إغضاب حزب الله وحركة أمل، ويفضّل في المقابل، تركَ اللبنانيين يغرقون في فقرهم ومأساتهم اليومية الآخذة في التفاقم”؟! مضيفة “المطلوب ليس الاستسلام لضغوط الحزب، بل قرار بكسر الحصار الذي فرضه الثنائي الشيعي على اجتماعات الحكومة، فيدعوَ ميقاتي الى جلسة، ويتم التصدّي لطرح ملف المرفأ او الطيونة، على الطاولة، والتشديد من قِبله ورئيس الجمهورية، على مبدأ فصل السلطات اولا، وعلى ان المسألة متروكة للحل عبر القنوات القضائية – القانونية لا السياسية، وعلى ان لا صوت يجب ان يعلو فوق صوت معاناة الناس التي تحتّم على الحكومة وضع كل الخلافات الاخرى جانبا، والانكباب على مهمّة انقاذ اللبنانيين ومساعدتهم. فهل يمكن ان يتّخذ رئيس مجلس الوزراء خطوة كهذه في الساعات المقبلة؟ ام انه سيرضخ لارادة الحزب والحركة، ويبقي العمل الحكومي معلّقا في انتظار “تسوية” ما لملف البيطار، يمكن ان تأتي او الا تأتي، فيما الانهيار حتما آت؟!