كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:
هناك يقين لدى أوساط عين التينة أنّ كان هناك «استنفار قواتي مسلّح» في عين الرمانة يوم المسيرة التي نظّمتها حركة «أمل» و»حزب الله» في اتجاه قصر العدل، اعتراضاً على عمل المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وأنّ هؤلاء المسلّحين أوقعوا أكثرية ضحايا ذلك الخميس الاسود في 14 تشرين الجاري. لكن هذا الملف بالنسبة الى عين التينة بعهدة القضاء، ولا ارتباط له بتاتاً بملف المرفأ، والاعتراض على بيطار ولا مقايضة بين الملفين. فـ”هل يُعقل أن نُرسل شبابنا الى الموت عمداً لمقايضة الملف ببيطار؟”.
كذلك «لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري حَكَم الجمهورية، وهو مع لملمة الاوضاع وأن يمشي البلد». وليس هدف بري وحركة «أمل»، «قبع» بيطار، بل أن يصحّح مسار عمله ويلتزم الدستور والقوانين، خصوصاً لجهة الصلاحيات في الإدّعاء على الرؤساء والنواب والوزراء ومحاكمتهم، والتي هي بحسب الدستور مناطة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وتقول أوساط قريبة من «الثنائي الشيعي»: «هناك فريق يشعر أنّه مُستهدف من عمل القاضي بيطار، ونحن لسنا ضدّه، بل نريد تطبيق الدستور والقانون، وأن يُطبّقا على جميع الناس. فكما ينص قانون أصول المحاكمات المدنية على تحويل القضاة المدّعى عليهم الى مجلس القضاء الاعلى ومجلس محاكمة القضاء، فإنّ الدستور يقول بوضوح، إنّ الوزير أو النائب إذا أخطأ أثناء ممارسته لعمله يُحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهذا المجلس مُعيّن وعلى رأسه رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومؤلّف من 8 قضاة و7 نواب، أي أنّ القضاة أكثرية فيه. كذلك هذا المجلس لا ينعقد للمرة الاولى، بل حوكم أمامه الرئيس أمين الجميل والرئيس فؤاد السنيورة وعدد من الوزراء، فبرّأ البعض وحكم على البعض الآخر بالسجن».
وبالتالي، إنّ المطلوب الآن من «الثنائي الشيعي»، وتحديداً من «أمل»، أن يُحوّل كلّ مدّعى عليه في ملف المرفأ الى الجهة التي يجب أن تحاكمه دستورياً. وتقول الأوساط نفسها: «لسنا ضدّ القاضي بيطار ولا ضدّ أن يكمل عمله، لكن ليستمرّ في عمله بحسب اختصاصه، ومثلما أرسل القضاة الى مجلس القضاء الأعلى بحسب الصلاحية، ليرسل النواب والوزراء ورؤساء الحكومات الى مجلس النواب».
وعلى رغم أنّ «حزب الله» يسعى الى «قبع» بيطار، ترى هذه الاوساط أنّ «الحزب» سيقبل بسقف معيّن معتدل، فليس المطلوب «قطع رأس فلان أو علتان». وفي حين يعتبر كثيرون أنّ أي حلّ لاعتراض «الثنائي الشيعي» وغيره على أداء بيطار يُعتبر تدخّلاً في عمل القضاء، خصوصاً الناظر في ملف جريمة المرفأ، ويدعون هؤلاء الى ترك بيطار يعمل الى حين إصداره قراره الظني لتبيان المعطيات التي يستند إليها، إلّا أنّ اعتراض «الثنائي الشيعي» على عمل بيطار تخطّى إطار الملف وطاول الحكومة التي ما كادت تبصر النور حتى أُعيقت حركتها. فالحكومة الآن مُعطّلة، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لن يدعو الى عقد جلسة لمجلس الوزراء في غياب الوزراء الشيعة، فيما «الثنائي» يربط العودة الى طاولة مجلس الوزراء بحلّ «قضية بيطار».
ولكي يمشي البلد، بحسب أوساط معنية، «هناك حلّ قانوني دستوري لا يُحرج أحداً، لا القضاة ولا بيطار ولا مجلس النواب، ولا يُشكّل علامة سوداء على عمل بيطار بأنّه اختار وزيرين ورئيس حكومة ليدّعي عليهما، ولم يدّعِ أو يستجوب على سبيل المثال الوزراء في حكومة الرئيس حسان دياب، على رغم أنّ الانفجار حصل في عهدهم وتلقّوا التقارير المعنية، هذا فضلاً عن أنّ الدعاوى لكفّ يد بيطار عن الملف رُدّت شكلاً من قبل المحاكم المُقدّمة إليها لأنّها ليست صاحبة إختصاص، وبالتالي ليقولوا لنا من المرجع المختص لتقديم طلبات لردّ بيطار؟ أليست الطريقة المُثلى لحلّ هذه المشكلة أن نحتكم الى الدستور؟».
وبالتالي، إنّ عقدة العِقَد الآن والحلّ في الوقت نفسه، بالنسبة الى معنيين، هي إذا كان بيطار سيدرس ردّ الأمانة العامة لمجلس النواب على طلبه من المجلس مجدداً رفع الحصانات عن النواب المدّعى عليهم، ويتجاوب مع دعوة الأمانة الى أن يحيل المدّعى عليهم الى مجلس النواب؟ وهذا ما يضع الكرة في ملعب مجلس القضاء الاعلى، بالنسبة الى هؤلاء.
وبالتالي، إنّ «الحلّ الأمثل»، الذي يوافق عليه «الثنائي الشيعي»، ولا يتعارض مع تمسُّك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن يُحلّ الاعتراض على بيطار ضمن المؤسسة القضائية، فمِن «نَفَس الرئيس بري»، وهو دستوري – قانوني، يتجزّأ الى ثلاثة أقسام: \
– أن يحيل بيطار جميع الوزراء والنواب والرؤساء المدّعى عليهم الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والنواب.
– أن يحيل بيطار القضاة الى المحكمة الخاصة بهم.
– أن يستمرّ بيطار في تحقيقاته وعمله.
وفيما كان من المُرتقب أن «يمشي» هذا الحلّ، من الاسبوع الفائت، باتفاق بين جميع أفرقاء السلطة ومجلس الوزراء، الّا أن يبدو بحسب أوساط معنية، أنّ «زعل» رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من نتيجة جلسة مجلس النواب الأخيرة، التي انتهت الى تقريب موعد الانتخابات وإلغاء المقاعد الستة المخصّصة للمغتربين، أدّى الى «فرملة» هذا الحلّ. لكن المستجدات الاخيرة ووضع البلد الذي لا يتحمّل أي «دلع سياسي وشخصي»، قد يدفع الى اعتماد هذا الحلّ مجدداً أو ما يُترجمه، بما يُرضي «الثنائي الشيعي».
أمّا في موضوع أحداث الطيونة، فهذا الملف مفصول عن ملف جريمة المرفأ وبيطار، بالنسبة الى عين التينة، كذلك هو متروك بعهدة القضاء، ولن يؤدّي الى أي «مشكل داخلي خصوصاً مع المسيحيين، فقرار «الحركة» و»الحزب» واضح وهو أنّ حصول أي مشكل داخلي ممنوع تحت أي ضغط».