كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
إشتهرت عكار في العقود الماضية بتربية الخيول، وفي المنطقة عائلات تاريخية ارتبط اسمها بها، وكانت تملك مزارع ضخمة (بدءاً من 20 حصاناً ويزيد)، وأعداداً كبيرة من الخيول، يشرف عليها أشخاص من ذوي الخبرة في هذا المجال، كما كان لتربية الخيول هواتها يربّون عدداً محدوداً منها (حصان أو حصانين)، للتباهي أو لممارسة رياضة ركوب الخيل المحببة.
شكّلت تربية الخيول في عكار قطاعاً قائماً بحد ذاته، تعتاش منه العديد من العائلات ويرفد المنطقة بالأموال ويدعم الزراعة بشكل عام والإقتصاد الوطني للبلد. وككل القطاعات بدأ هذا القطاع يمرّ بأزمة تتفاقم سنة بعد أخرى، بسبب تجاهل القيمين والمعنيين، وغياب وزارة الزراعة عن الإهتمام بهذه الثروة، قبل ان تضع الأزمة الإقتصادية الأخيرة والإنهيار القطاع برمته في مهب الريح. فمسألة تأمين العلف وطعام الخيول لوحدها أزمة بحد ذاتها هذه الأيام ويكاد يعجز عنها الكثير من المربّين إلا القلائل الذين يعدّون على أصابع اليد الواحدة. فسعر طن العلف تجاوز 350 دولاراً، وكلما ازدادت أزمة الغلاء استفحالاً، كلما أدت بهذا القطاع إلى الإنحدار نحو المأساة.
يقول الشيخ محمود حدارة وهو أحد أبرز مربّي ومالكي مَزارع الخيول في عكار: “لطالما اشتهرت عائلات عكارية بتربية الخيول وكان للمنطقة صيتها. فالحصان اللبناني عنده ميزات كثيرة تختلف عن باقي الأحصنة، فهو يركض في سباقات التحمّل التي تجري في دول كدول الخليج، وغيرها من الميزات. ولكن وكأي من القطاعات في لبنان، تركه القيّمون عليه يتراجع، فكان قطاع سباق الخيل اللبناني من أهم القطاعات في العالم وصار آخرها”.
أضاف: “وزارة الزراعة اسم بلا مضمون. لا خطط ولا برامج لديها كما أن القيمين على ميدان سباق الخيل في بيروت هم أشخاص موجودون بسلطة الأمر الواقع، يتكلون على تشبيح الأموال ويضعون يدهم بالأمر الواقع على الأرض، ويمنعون المربي أن يكون شريكاً لهم ويمنعون دخول شركات لتطوير القطاع عبر نظام BOT”.
وعن وضع القطاع في عكار في الأزمة الأخيرة والإنهيار الحاصل يعتبر حدارة أن “غلاء الأعلاف كبّر الكارثة أكثر ووسّع الهوة. هذا القطاع الذي تعتاش منه عائلات عبر مدخول المَزارع كأي قطاع زراعي، في حين كانت وجهات التسويق متعددة في السابق. فالحصان اليوم بحاجة إلى علف في السنة الواحدة بأكثر من سعره، وهذا الواقع فرض نوعاً من سوء التغذية التي توصل إلى نفوق هذه الحيوانات”.
ودعا حدارة منظمات NGO’S التابعة للأمم المتحدة وغيرها، والتي تعنى بالأمر، “الى تنفيذ برامج دعم للقطاع والتعامل فيها مباشرة مع المربين وأصحاب المزارع، حتى لا تذهب فوائدها هدراً إلى كبار التجار، كما حصل في مسألة دعم العلف في السابق عبر الدولة. فالقطاع الآن بلا رعاية ولا جهد لتصريف الإنتاج. والدولة والقيّمون على هذا القطاع، لا سيما على سباق الخيل، يريدون له أن يبقى مزرعة لهم، على مبدأ سادة وعبيد، لا أن يكون قطاعاً محترماً ومنتجاً يؤمّن دخلاً قومياً ويدرّ العملات لا سيما الدولار على ميزانية البلد”.
وختم: “الأزمة كبيرة مع الأسف وصار مصروف الخيل كبيراً جداً، ووسط انعدام التسويق وغياب الرؤية والدعم، فالقطاع إلى تراجع وثمة فقدان الكثير من الخيول؛ وربما نصل إلى انهيار هذا القطاع في عكار بالكامل. المطلوب على عجل فتح مجال للشراكة بين وزارة الزراعة والمربين وتنفيذ برامج مع المنظمات التي تعنى بالحيوان، كما يحصل بباقي الثروات الزراعية والقطاعات كقطاع الأبقار والدواجن وغيرها، وأن تتغير عقلية القيمين على القطاع ويعترفون بالشراكة لأجل التطوير”.