كتب الان سركيس في “نداء الوطن”:
إستعاد الشارع السيادي القواتي والمسيحي والوطني نبضه بالأمس، وأرسل رسالة واضحة وحازمة في كل الإتجاهات متخطياً كل الحواجز التي توضع من أجل منعه من إيصال صوته.
خرجت قضية إستدعاء رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع من إطارها القواتي لتصبح قضية تتوزّع على كل مساحات الوطن، فالحشود التي تقاطرت بالأمس إلى معراب “تدري ماذا تفعل”، فتلك الحشود لم تأبه “بتعييرها” بأنها تنتمي إلى الأحزاب أو إنها تتبع لجهة سياسية معينة، بل قالت بالفم الملآن: “إنتهينا من زمن الإحتلال وفبركة الملفات ولن نقبل بالمساومة على قضية المرفأ ولن نرضى بأن يحكمنا السلاح الإيراني بقيادة “حزب الله”.
لم يأبه المواطنون لكل تلك المحاذير بل عبروا من أقصى الشمال والجنوب وبيروت والبقاع إلى معراب قلب جبل لبنان، وكل من شارك كان يعلم أن القضية لا تتوقّف على إستدعاء “الحكيم”، بل إن تلك السلطة بقيادة “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحرّ” ستحاول محو كل من يقف بوجهها من الوجود.
حجم الحشود كشف مدى تمسّك الشعب اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً بالقضية، وأعاد التأكيد على العناوين السيادية وأن الشعب المسيحي ليس ذمياً ينتظر حماية من “حزب الله” والنظام السوري والإيراني، بل إنه موجود بالآلاف ولا يخاف من أي تهديد ولا يهمه الترهيب أو إستعمال بعض الأجهزة ضدّه.
“الزمن الأوّل تغير”، هذا لسان حال الجميع، أي إن العودة إلى سياسات الماضي الأمنية والقضائية والسياسية إنتهت إلى غير رجعة، وبالتالي فإن طريق معراب برمزيتها شكّلت الشرارة لإنطلاق المقاومة في وجه الإحتلال الإيراني الجديد عبر “حزب الله” والتي ستكون مرحلته الأولى في الإنتخابات النيابية المقبلة حيث الآمال تُعقد على خسارة “الحزب” وحلفائه للأكثرية النيابية.
وأمام هذا الحشد الكبير، فإن عوامل عدّة تجعل من سيناريو 1994 صعب التكرار، وهذه العوامل تتلخّص بالآتي:
أولاً: العامل الشعبي الذي دخل بقوّة على خطّ إستدعاء جعجع، ففي التسعينات كان المجتمع المسيحي مهزوماً وغير قادر على المواجهة، أما اليوم فإن الشعب هو من أطلق شرارة المواجهة ولن يسمح بالتضحية بجعجع أو أي سيادي آخر.
ثانياً: الإلتفاف الوطني حول جعجع، ففي نظر المسلمين كان جعجع في بداية التسعينات يشكّل طرفاً خصماً وفرحوا لحظة إعتقاله، أما حالياً فإن قسماً كبيراً من الرأي العام السنّي والدرزي والأحرار الشيعة تخطّوا قياداتهم ويدعمون جعجع ويعتبرونه الممثّل الفعلي لمشروع الدولة والمتصدّي لمنطق “الدويلة”.
ثالثاً: في عام 1994 نفّذ النظام الأمني اللبناني – السوري مخططه باعتقال جعجع، أما اليوم فلا توجد أي جهة قادرة على فعل مثل هكذا أمر، وحتى لو أصرّ “حزب الله” على فعل ذلك فإن المقاومة ستكون حاضرة.
رابعاً: الغطاء العربي والدولي، ففي التسعينات سلّمت أميركا لبنان لسوريا الأسد، وأرادت دول الخليج أن يسير “إتفاق الطائف” ودعمت الرئيس رفيق الحريري وكان لا بدّ من إزالة عقبة جعجع، أما اليوم، فإن جعجع هو الصديق الأول للسعودية، وواشنطن لن تسلّم لبنان إلى إيران وغيرها، وبالتالي فإن كل الحديث عن صفقة دولية “لتطيير” رأس جعجع سياسياً لا أساس لها من الصحة.
بات الرأي العام المسيحي والوطني ينظر إلى جعجع نظرة المنقذ والقادر على المواجهة، لذلك فإن المسؤولية تضاعفت على حزب “القوات”، وقيادة المرحلة تتطلّب المزيد من الدقة والدراسة لأن الخصم ليس سهلاً.