IMLebanon

المسيحيون يدفعون ثمن شيعية سياسية خاضعة لـ”الحزب”

جاء في العرب اللندنية:

يعكس استدعاء سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية للتحقيق في أحداث الطيونة، حتى وإن تم إغلاق الملف، أن الحرب ضد “المارونية السياسية” لم تنته بعد، فالهجمات الشخصية التي شنها زعيم حزب الله حسن نصرالله ضده وتذكيره بالأدوار التي لعبتها القوات اللبنانية في سنوات الحرب الأهلية وما بعدها، أعاد وضع الصورة في نصابها المقصود.

ولا تقدم “الشيعية السياسية” التي يرفع حزب الله لواءها بالسلاح أيّ فكرة واضحة عن لبنان ولا عن دولته. حتى أن حزب الله ليس حزبا مسجلا لدى وزارة الداخلية اللبنانية كحزب قانوني أو شرعي. والفكرة الوحيدة هي أن لبنان جزء من المشروع الإيراني، وأن الولاء الشيعي لإيران أسبق من الولاء للبنان. وهو ما يقف على طرفي نقيض مع “المارونية السياسية” التي تعتبر لبنان وطنا نهائيا لكل أبنائه.

ومثلت “المارونية السياسية” في لبنان في بدايتها معيارا لضمان فوقية الدولة وسيادتها وفوقية تقاليدها المؤسسية، وهو ما كان يكفي لضبط الحركية السياسية في البلاد. إلا أن هذه الحركية منذ أن تم سحقها في الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 أخلت مكانها للفوضى حتى أصبح اختلال الموازين في مكانة الطوائف وأدوارها والعلاقات فيما بينها هو الأساس.

ولم يتم سحق الأحزاب، ولكن تم سحق الدولة، كما تم سحق الفكرة من وراء قيام لبنان كدولة مستقلة، وهما اللتان كانتا تُعتبران جوهر “المارونية السياسية”.

الموارنة في لبنان استثناء فريد في الدفاع عن العروبة. ولعبوا دورا تاريخيا متعدد الأوجه، في الثقافة والفكر وحفظ تراث اللغة العربية وكانوا في طليعة المدافعين عن الاستقلال من السلطنة العثمانية. وعندما تحقق لهم ذلك، أقاموا دولة على أساس التوافق فيما عرف بـ”الميثاق الوطني اللبناني” وأعلن استقلال لبنان على أساسه عام 1943.

وعندما جاء المشروع الطائفي الذي اتكأ على فكرة “الغلبة العددية” للطائفة الشيعية، ومن ثم لجأ إلى حمل السلاح، أصبح استعداء “المارونية السياسية” غطاء لاستعداء المسيحيين أنفسهم، ولدورهم في بناء الدولة، ولما تم الافتراض أنه “امتيازات” لهم في مؤسساتها.

وحاول رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري أن يبني مشروعا لـ”سنية سياسية” تعتمد بالدرجة الأولى على “وحدة الطوائف وتنوعها”، ومن ثم على أساس مشروع تنموي يمتد إلى كل المناطق، إلا أن جمهورية السلاح التابعة لحزب الله، والمدعومة من “قوات الردع السورية”، قامت بتفكيك المشروع الذي بدا لها كحليف للمارونية السياسية.

وسار الهدف الذي سعى له حزب الله في اتجاهين: بناء دولة تابعة لإيران في مناطق سيطرته في جنوب لبنان، واحتلال ضاحية بيروت الجنوبية، لكي تخاض معارك السلاح على أراضيها. وهذا ما دفعه إلى إطلاق التظاهرات في الطيونة، بينما كان مسلحوه يقومون بأعمال تخريب في عين الرمانة في الجوار، وهي الحي المسيحي الذي يقع على خطوط تماس الحرب الأهلية في بيروت.

وأغلق مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة فادي عقيقي، الذي طلب جعجع للإدلاء بشهادته في أحداث الطيونة، الملف وختم التحقيقات. ولكن ليس لأن جعجع رفض المثول أمامه طالبا مثول أمين عام حزب الله حسن نصرالله قبله، وإنما بفضل الدور الذي لعبه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي سعى لنزع فتيل “فتنة أكبر” رأى أن غلبة السلاح، والمئة ألف مسلح الذين هدد بهم نصرالله، تستوجب قراءة المشهد، قائلا إنّ «السياسة هي فنّ استباق الأحداث».

واعتبر الراعي أن «الحلّ لن يكون بالشارع، ولا بالسلاح أو بفرض القوة». ويقول مراقبون إن ما يحاول البطريرك الماروني أن يفعله هو حماية “المارونية السياسية”؛ مارونية بناء الدولة، من الانزلاق وراء استفزازات “الشيعية السياسية” المسلحة.

ويرى هؤلاء المراقبون أن المسيحيين الذين وضعوا أسس بناء الدولة لتحميهم كما تحمي الآخرين، وحددوا معايير الشراكة ومنهاج عمل مؤسساتها، يقعون الآن تحت رحمة سلاح طائفي لا تعني له دولة لبنان أيّ شيء.

ولم يسلم البطريرك الراعي نفسه من هجمات حزب الله، من ناحية لأنه آخر “المارونية السياسية”، بمعناها الوطني والسلمي، ومن ناحية أخرى لأنه يقيم حواجز صد بين المسيحيين تحول بينهم وبين السلاح.