كتب نقولا ناصيف في الأخبار:
مع ما حصل الخميس في جلسة البرلمان، وهي ليست الاولى تفقد نصابها او تفرض الغالبية ارادتها على الاقلية او يُختلف فيها على التصويت او يصطدم البرلمان برئيس الجمهورية، بات السؤال الوحيد المحتمل: كيف يفترض توقّع اجراء الانتخابات النيابية في 27 آذار؟
ليست حدّة الاشتباك التي اتسمت بها جلسة الخميس في مجلس النواب، الا مؤشراً جدياً لما ستكون عليه السنة الاخيرة في ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون والتي تدخل غداً سنتها السادسة. السنة الاخيرة لرئيس الجمهورية، كل رئيس، المختلَف على تفسيرها بأنها مرة اضعف سني الولاية، ومرة انها اقواها نظراً الى الخيارات التي يضطر الى اتخاذها – وإن منفرداً احياناً – ويضع المرحلة التي تليه امام أخطارها وتداعياتها، تساوي في بعض الاحيان عمر الولاية برمّتها. ذلك ما تشي به العهود المتتالية بعد اتفاق الطائف كما قبله. وقد تكون السنة السادسة هذه كذلك بالنسبة الى عون. مقدار ما يحوط به الضعف، يستمدّ منه قوة على المواجهة.
جلسة البرلمان الخميس، وإن اقتصر الاشتباك فيها على قانون الانتخاب، دلّت على دخول البلاد في السنة الجديدة، الأكثر كلفة، لبضعة اسباب منها:
1 – ان الانتخابات النيابية المقرّرة في 27 آذار، وإن هي استحقاق دستوري دوري صدف هذه المرة – وهي ليست الاولى – انه يسبق انتخابات رئاسة الجمهورية بأشهر قليلة، لا تزال غير مؤكدة الحصول في هذا الموعد. ظاهر احتمال تعذّرها الخلاف المعلن على التاريخ، بينما باطنه ان الطبقة السياسية غير قادرة، الآن على الاقل، على التحقق من انها ستصل الى النتائج التي تريدها لنفسها. بذلك لا يعود ذا اهمية ما يبدو انه خلاف بين أفرقاء الطبقة السياسية، ما داموا جميعاً يُمسون في لحظة الوصول الى صناديق الاقتراع طرفاً واحداً، لا يسع احدهم ان يكون بلا الآخر. يحتاج اليه كي يخوض معه معارك وهمية اقرب الى طواحين الهواء. ذلك ما يبعث على الاعتقاد بتواطؤ ضمني، يوزّع الادوار هنا وهناك ليس الا.
2 – مع ان انتخابات 2022 ليست رهاناً حقيقياً للتغيير، على نحو ما يأمل فيه مناهضو الطبقة السياسية، وتتوقّعه بلا ادلّة حسيّة الدول الاكثر اهتماماً بلبنان، بيد ان الاستحقاق المقبل يظهر هذه المرّة اكثر اهمية من ذي قبل. بالتأكيد ما من فريق يسعه القول جهاراً انه ضدّ اجرائها من دون ان يكون بالفعل يريدها. في المقابل، ليس ثمّة مانع يحرجهم او يربكهم او يخجلهم بالصاق تهمة تعطيلها بهم بعد كل الارتكابات التي اقدموا عليها، اذا كان الغاؤها هو ما يحتاجون اليه.
3 – اياً تكن الاسباب التي يتسلّح بها رافضو موعد 27 آذار لاجراء الانتخابات، كما المصرّون عليه، الا ان الخلاف الدائر حالياً لا يرتبط بهذه الذريعة، مقدار الهواجس التي تحوط بالافرقاء جميعاً على أبواب الانتخابات. لا فريق متصالحاً مع كل قاعدته وشعبيته المتهالكة، ولا مع الفريق الآخر ويثق بتحالفه معه. معظم الاحزاب والتيّارات، وبالذات الكتل الرئيسية الست في مجلس النواب، متناحرة بعضها مع بعض. لا احد من بينها يملك تصوّراً عن حليفه المقبل، مقدار ما يعرف الخصوم الذين يدورون من حوله، ناهيك بخصم يُفترض ان لا يُستهان به هذه المرة هو القوى الجاري التحضير لها في السرّ كي تواجه الطبقة السياسية، كل بمفردها في مناطق مصادر قوتها. الواضح ان اياً من الاحزاب والتيّارات هذه، وهو على مقربة خمسة اشهر فقط من موعد الانتخابات، لا يعرف من اين يبدأ حملته وبمَن، رغم وجود قانون نافذ للانتخاب اختبروه جميعاً قبل اربع سنوات.
4 – سواء ذهب رئيس الجمهورية الى المجلس الدستوري وطعن في قانون الانتخاب النافذ المعدل اخيراً، او ذهبت اليه كتلة النائب جبران باسيل، ليست الاحالة هذه هي السبب المعطِّل لحصول الانتخابات، ولا حتماً المجلس الدستوري هو المرجعية القادرة على فرض اجرائها اذا لم يشأ اصحابها حصولها. البعض يتذرّع بأن رحلة المجلس الدستوري عندما ينظر في القانون المطعون فيه ستهدر مزيداً من الوقت للتحضير لها، والتسبب تالياً بالحؤول دونها. واقع الامر ان المجلس الدستوري، على صورة القضاء كما على صورة الامن والادارة والنقابات، جزءٌ من كلٍ في لعبة تُحكم الطبقة السياسية القبض عليها والتلاعب بخيطانها.
سابقتان متناقضتان تفترضان عدم الوقوع في الاوهام المعلقة على المجلس الدستوري، مرتبطتان بما يتعدى الوظيفة المنوطة به، وهي هل ثمّة ارادة باجراء الانتخابات وإن بالفرض، او ارادة معاكسة بمنعها:
اولى السابقتين، انتخابات عام 1996 التي سبقها وضع قانون جديد للانتخاب اعتمد المحافظات الخمس دائرة انتخابية باستثناء جبل لبنان. في 24 حزيران اقرّه مجلس الوزراء، في 2 تموز اقرّته اللجنة النيابية للادارة والعدل، في 11 تموز صادق عليه مجلس النواب بالغالبية، في 12 تموز صدر في الجريدة الرسمية، في 13 تموز صدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، في 25 تموز وقّع عشرة نواب مراجعة طعن فيه لدى المجلس الدستوري لعدم مساواته في تقسيم الدوائر الانتخابية، في 31 تموز ناقش المجلس الدستوري مراجعة الطعن، في خامسة جلساته 9 آب ابطل 6 مواد في القانون، وفي اليوم نفسه التأم مجلس الوزراء واقرّ حيثيات قرار المجلس الدستوري، في 2 آب اقرّت اللجنة النيابية للادارة والعدل تعديل القانون، وفي الغداة 13 آب اقرّته الهيئة العمومية لمجلس النواب، ونشر في اليوم التالي 14 آب في الجريدة الرسمية. اما الدورة الاولى للاقتراع، فكانت بعد اربعة ايام في 18 آب.
لم يحتج ذلك كله الى اكثر من 19 يوماً، دونما الغاء انتخابات كانت الارادة السياسية، السورية خصوصاً، قاطعة في اجرائها.
اما الوظيفة المهمة التي ادّاها المجلس الدستوري للطبقة السياسية، فهي انه – خلافاً لما هو مطلوب منه – دلّها على طريقة تجعل القانون غير الدستوري دستورياً، بأن اورد في قراره ان القانون لم يأتِ على ذكر «استثنائياً هذه المرة» في متنه لتبرير عدم المساواة في تقسيم الدوائر. حمل مجلسا الوزراء والنواب هذه العبارة وأدخلاها في القانون، فبات دستورياً. كان حلفاء سوريا – كما هي – يريدون الانتخابات بأي ثمن.
ثانية السابقتين، اقرار مجلس النواب في 31 ايار 2013 تمديد ولايته الى 20 تشرين الثاني 2014. طعن الرئيس ميشال سليمان في الاول من حزيران، وكذلك عشرة نواب بينهم الرئيس عون وتسعة من اعضاء تكتله في 3 حزيران، في قانون التمديد. من ثمّ اجتمع المجلس الدستوري في 4 حزيران بأعضائه مكتملين، واختلفوا على وقف تنفيذه. عقدت بعدذاك جلستان اخريان في 6 حزيران و10 منه، على ان تكون المذاكرة في الغداة 11 حزيران. في الموعد المضروب غاب العضوان الشيعيان والعضو الدرزي، فطار النصاب. كذلك لم يحضروا في الجلسة التالية في 12 حزيران، وفي جلسة 18 حزيران، وفي جلسة 21 حزيران. اذذاك بانقضاء مهلة 15 يوماً لبتّ الطعن، وتعذّر صدور قرار لعدم اكتمال نصاب المجلس الذي تحدده المادة 11 في قانون انشائه بثمانية اعضاء على الاقل، نُظِّم محضر بما حصل وأضحى قانون التمديد نافذاً.
لم تكن الطبقة السياسية تريد الانتخابات النيابية عامذاك، ولا وجود لسوريا في البلاد، فاستخدمت المجلس الدستوري بتغييب ثلاثة من اعضائه لفرض التمديد.
هل تحزر انتخابات 2022 على اي مقلب ستقع؟