Site icon IMLebanon

رغم أحقّيّة المطالب… إضراب الإدارات الرسميّة يُقوّض صورة الدولة تدريجيًا

كتب محمد دهشة في نداء الوطن:

لا يعكس المدخل الخارجي للسرايا الحكومية في صيدا بحلته جديدة بعد استحداثه اخيراً برونق معماري مميّز وبجهود محافظ الجنوب منصور ضو، الصورة الحقيقية لواقع الادارات الرسمية من الداخل، حيث تسود العتمة اروقتها وتتعالى معاناة موظفيها من الموت على البطيء والجوع بسبب انهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور، في ظل الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة.

لقد جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث كانت الآمال معقودة ان يتكامل المظهران الخارجي والداخلي معاً ليعكسا حضور الدولة بمؤسساتها الرسمية بأبهى صورها بعد تطويرها ومكننة الكثير من دوائرها ومصالحها، الا ان الانهيار المالي اطاح بها. فالموظفون الذين كانوا يعتبرون انفسهم من اصحاب الدخل المتوسط وما فوق ارتباطاً برواتبهم وفئاتهم وأقلها الخامسة – اي الموظف العادي ويتقاضى مليون ليرة لبنانية (اي ما كان يوازي 666 دولاراً اميركياً) وصولاً الى الفئة الاولى من مدراء عامين ومحافظين فرواتبهم لا تقل عن خمسة ملايين ليرة لبنانية (اي نحو 3333 دولاراً اميركياً سابقاً)، باتوا اليوم من الطبقات الفقيرة التي لا تكفي رواتبهم تأمين الحد الأدنى من الاستمرارية، سواء في الحياة هم وعائلاتهم، ام في تأدية مهامهم الوظيفية.

ومع استمرار الأزمة الخانقة وعجزهم عن دفع نفقات انتقالهم الى مراكز عملهم، دخلوا في اضراب مفتوح منذ اشهر للمطالبة بتصحيح الرواتب والأجور بما يتناسب مع مؤشر الغلاء، وزيادة بدل النقل ليواكب ارتفاع كلفته الحقيقية وتأمين خطة نقل لموظفي القطاع العام وبونات بنزين بما يتناسب والمسافات التي يقطعونها، والاهم وفق رأيهم ايجاد حل لمشكلة الدوام التي بات من المستحيل على الموظف تحملها.

ومع أحقية المطالب، الا ان الاضراب انعكس معاناة اضافية على انجاز معاملات المواطنين، وتؤكد اوساط رسمية لـ “نداء الوطن” ان “المشكلة لا تتوقف عند تدني الرواتب وارتفاع كلفة النقل، وانما تتعداها الى التقنين القاسي بالتيار والمازوت والنقص في مستلزمات العمل والتي قد تصل احياناً الى الاوراق او الحبر او نماذج المعاملات”، موضحة ان “غالبية الادارات الرسمية التزمت بالاضراب باستثناء قلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعاونية موظفي الدولة ودائرة التربية من اجل انجاز المعاملات، ومنها من اعتمد المناوبة والمداورة بين الموظفين، ومنها من اعتمد الحضور ثلاثة ايام اسبوعياً مثل دائرة النفوس والعمل، ومنها من اعتمد دوام اليوم الواحد في الاسبوع، النتيجة سلبية فالمشكلة لم تعالج بعد وصورة الدولة تتلاشى تدريجياً امام المواطنين حتى بتنا نعمل بالتقنين مثل كل ما يجري في البلد”.

إضراب الحكومي

وصورة السراي الحكومي ليست وحيدة، تتشابه الى حد كبير مع مستشفى صيدا الحكومي، فالصرح الطبي الجامعي الذي انشئ منذ سنوات وفق تصميم هندسي معماري مميز وليحاكي في خدماته الطبية والصحية المستشفيات الخاصة بات اليوم شبه خاو، بعدما دخل اضراب موظفيه شهره الاول وقد بحّت اصواتهم وهم يطالبون بدفع الرواتب المتأخرة، ونظموا اعتصاماً امام مدخل المستشفى.

واستغرب رئيس لجنة الموظفين في المستشفى خليل كاعين صمت المسؤولين والدولة برمتها، قائلاً: “لم نتقاضَ رواتبنا بعد مضي اربعة اشهر، يبدو ان الامر لا يهمّهم طالما هم يأكلون ويشربون ويقبضون رواتبهم بخلافنا. اننا نعتذر من اهلنا المرضى على عدم استقبالهم لان حتى الآن لم يتغير شيء، ونحن مصممون على اضرابنا مع استثناء مرضى غسيل الكلى والتلاسيميا”.

وقال “نحن بحاجة الى قبض رواتبنا حتى نستطيع القدوم الى عملنا، لم يعد الموضوع انسانياً او اخلاقياً، بات يمسّ جوهر حياتنا، والموظفون غير قادرين على العيش والمجيء لانتظام العمل مجدداً، تلقينا وعوداً بدفعها او بدفع جزء منها يوم الاثنين، وسيأتي الاثنين ونأمل ان يكون بعد ثلاثة ايام وليس بعد اشهر، يجب ان يحسم الامر، ويوم الثلثاء ستعقد نقابة العاملين في المستشفيات الحكومية في لبنان مؤتمراً صحافياً لشرح المعاناة والخطوات التي ستقوم بها في المرحلة القادمة”.

صورة الدولة

وبين المرفقين الحكوميين، لا تبدو صورة مؤسسة الضمان الاجتماعي في “سنتر الزعتري” وسط صيدا افضل حالاً مع الانقطاع شبه التام بالتيار الكهربائي من دون ايجاد البديل، او توقف النظام بين الحين والآخر، ما يعرقل انجاز المعاملات، ولا مصلحة تسجيل السيارات في البرامية مع الاضراب المفتوح واعتماد يوم الاربعاء فقط لانجاز المعاملات، ولا مركز معاينة المكيانيك في الزهراني حيث بدأ الموظفون والعاملون اضراباً على تدنّي رواتبهم. بغير قصد الكل يلحق بركب تقويض خدمات الدولة رغم أحقية مطالبهم في ظل الازمة المعيشية الخانقة.