Site icon IMLebanon

أيّ خطط استباقية لأزمة النفايات القادمة؟

كتب حبيب معلوف في الأخبار:

أبلغ مجلس الإنماء والإعمار في تقرير رفعه إلى من يعنيهم الأمر، أخيراً، أن هناك صعوبات في الدفع لمتعهّدي جمع النفايات وطمرها، وأن مطمر الجديدة الممدّد له سيستنفد قدرته الاستيعابية في شباط المقبل، فيما ينتهي «عمر» مطمر كوستابرافا في شباط 2023… مع افتراض بقاء حجم إنتاج النفايات حالياً على حاله (انخفض بأكثر من 30% عمّا قبل الأزمة الاقتصادية)، وإذا لم تطرأ مشاكل أخرى، غير تلك المالية أو التقنية.

تهديدات المتعهّدين بالتوقف عن جمع النفايات وطمرها بسبب إفلاس الدولة تهدّد بالتوقف عن معالجة أكثر من نصف نفايات لبنان، ولا سيما بعدما تبين أن لا قدرة على إعادة تأهيل معامل الفرز التي دمّرها انفجار المرفأ لعدم القدرة على شراء المعدّات بالدولار، إذ أشار تقرير «الإنماء والإعمار» إلى كلفة إجمالية تبلغ 17 مليوناً و135 ألف دولار لإصلاح الأضرار وتطوير معامل الكرنتينا والكورال (7,4 ملايين دولار)، والكرنتينا والعمروسية (3,3 ملايين دولار) ومطامر كوستابرافا (4,34 ملايين دولار)، وبرج حمود – الجديدة (255 ألف دولار)، وطرابلس (1,84مليون دولار). وكل هذه يطلبها المتعهّدون بالدولار بحجة أنها ستذهب لشراء مواد وتجهيزات مستوردة. ولفت التقرير إلى أن المناقصة التي طرحها لتلزيم تشغيل وصيانة المعامل وكان موعد فضّ عروضها في 20/9/2021، لم يتقدم لها أي عارض، علماً أن عقد التشغيل والصيانة الحالي انتهت مدته في 30/9/2021.

وزارة البيئة التي لم تكن معنيّة بخطة الطوارئ الثانية التي وُضعت بعد أزمة 2015 – 2016، تجد نفسها اليوم معنيّة بربط استكمال الحلول الطارئة وتحسينها إلى حين إنهاء خطة الطريق التي وضع عناوينها الرئيسية الوزير ناصر ياسين. وبحسب مصادر مطلعة، فإن الخريطة تنطلق من ضرورة تنفيذ بعض بنود قانون النفايات 2018، ولا سيما مرسوم الفرز من المصدر الذي يساهم في تخفيف كلفة معالجة النفايات والاستفادة منها ويطيل في الوقت نفسه عمر المطامر المعتمدة حالياً في لبنان. كما تعطي الخطة أولوية لتطبيق مبدأ التخفيف ووضع المرسوم التنظيمي له في أقصى سرعة وتحديد المواد التي يُفترض أن تشملها الضريبة ولا سيما على أغلفة السلع وأكياس النايلون وتشجيع الاسترداد… وهو ما يفترض أن يخفف أكثر من 30% من حجم النفايات، إضافة إلى مراجعة «مسودّة» استراتيجية إدارة النفايات وتصحيح المسار السابق حين تمّ استعجال إصدار القانون (قبل الاستراتيجية) لتلبية متطلبات الحصول على تمويل من «سيدر» بأكثر من مليار دولار على معامل التفكّك الحراري. وعلى ضوء التعديلات التي ستشمل الاستراتيجية، ولا سيما لجهة شمولها النفايات الصلبة وتجاهل السائلة من دون أي مبرّر، سيتم اقتراح تعديل القانون. وقد تمّ البحث في هذه الإجراءات في اجتماع عُقد مع هيئة التنمية المستدامة في مجلس النواب ومع رئيس لجنة البيئة النيابية النائب أكرم شهيب.

أبرز التعديلات المقترحة على القانون والمراسيم تتعلّق باستبدال عبارات واردة في مشروع القانون مثل «استرداد كلفة تمويل إدارة النفايات» التي وُضعت لمصلحة المستثمرين في المعالجة، فيما المطلوب من الضريبة أن تخفّف من إنتاج النفايات لا تمويل كلفة معالجتها فقط، وأن تكون الضريبة على حجم النفايات ووزنها وليس على مساحات العقارات تطبيقاً لمبدأ «من ينتج نفايات يدفع ومن لا ينتج لا يدفع… ومن ينتج أكثر يدفع أكثر». وهو مبدأ أكثر عدلاً، يشجع على التخفيف من إنتاج النفايات، ويحلّ مشكلة الفروقات بين المناطق والفئات الاجتماعية، ولا سيما بين سكان المدن المنتجين للنفايات أكثر من سكان القرى. وهذا ما يتطلب إعداد خطة لامركزية مدروسة ومراسيم تنظيمية تمنح البلديات حق الإشراف على الفرز من المصدر والدخول إلى المنازل والبيع والشراء، بحسب المواد المفروزة، مع إعطاء حوافز لتشجيع الفرز ووضع عقوبات لإنجاح هذه العملية.

وتشمل التعديلات وضع معايير جديدة لاختيار مواقع المطامر التي يجب أن تنخفض إلى الحد الأدنى الممكن إذا نجحت الحكومة مع البلديات والأفراد في احترام مبدأَي التخفيف والفرز، وإيجاد معالجات خاصة لبعض أنواع النفايات كالزيوت والإطارات المستعملة والردميات، وتطبيق مبدأ الاسترداد عبر وضع نظام خاص لرد بعض الأنواع من النفايات المصنّفة خطرة، كالأدوية والنفايات الإلكترونية وغيرها، إلى المنتج للتخلّص منها.

لكن تبقى إشكاليات تتعلق بكيفية تأمين التمويل للمتعهّدين، وكيفية إقناع الناس بالفرز. وهنا، ثمة من يعتبر أن الأزمة الحالية تشكل فرصة لتطبيق حلول أكثر واقعية واقتصادية وبيئية، خصوصاً بعدما «أدّبت» التطورات من كانوا يتحدثون عن محارق بأكلاف ومخاطر خيالية، وبعدما تبيّن أنه كان من السهل الوصول إلى هدف تخفيف 30% من النفايات لو سارت الحكومة في تطبيق مبدأ التخفيف. أضف إلى ذلك أن الفرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لاتباع الفرز من المصدر، إذ يمكن للبلديات أن تحكم بجمع المواد المفروزة وبيع ما يمكن من نفايات زاد سعرها بالعملة الصعبة، ولا سيما الألومنيوم والحديد والصلب والكرتون والكثير من أنواع البلاستيك… ما يُتيح فرصة مهمة لتخمير المواد العضوية وإنشاء مزيد من المعامل، خصوصاً إذا أضيف إليها تلزيم نفايات أسواق الخُضر والمحالّ التجارية وتشحيلات الأشجار والأعشاب والأحراج وإضافتها إلى المواد العضوية ما يحسّن من نوعية الـ«كومبوست» ويوفر استيراد هذه الأسمدة بالعملات الصعبة. وتُعتبر الأزمة فرصة للبلديات في الإدارة والتدخل، إن مع المتعهّدين الحاليين الذين تسمح عقودهم بإدارة عمليات الفرز، أو من دونهم إذا توفّرت الإدارة والخبرة وحسن التنسيق والتعاون مع المجتمع ومع الوزارات المعنيّة.

وهذا ما يُساهم في المجمل في منع تكرار مشهد تراكم النفايات في الشوارع أو رميها في الوديان وفي البحر… إذا ما تمّ إعلان الإفلاس العام من النواحي كافّة.