حتى اللحظة، تعيش كلّ قيادات تيار «المستقبل» تحت هول الصدمة. فقد قرّر الرئيس سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية. ويرفض العمل باسم تياره، ما فتح الباب على مشكلات لم يكن يتوقّعها أحد، أبرزها «انتفاضة» تقودها النائبة بهية الحريري وابنها أحمد، فيما يسعى الرئيس فؤاد السنيورة إلى «أخذ» حصته من التيار ودرس احتمال خوض الانتخابات بشكل مستقلّ.
بوتيرة بطيئة تسير ماكينة تيار «المستقبل» قبل أشهر من الانتخابات النيابية المقبلة. السبب هو قرار للرئيس سعد الحريري بعدم خوض الانتخابات. «المستقبليون» ينتظرون عودة زعيمهم إلى بيروت خلال عشرة أيام، كما وعد، لاستطلاع حقيقة موقفه من التوقّف عن العمل السياسي والانصراف إلى العمل التجاري الخاص. في انتظار العودة يتصرّف الجميع وفق قناعة بأن الانتخابات ستجري في موعدها، ويستهجنون احتمال عدم خوض «الشيخ سعد» الاستحقاق. لكن، على أرض الواقع، وفي مرحلة استثنائية، فإن منسقية الانتخابات بإشراف فادي سعد لا تزال تعمل بشكل تقليدي، كالتنسيق الروتيني مع الكوادر في المناطق واقتراح أسماء لمسؤولي مراكز، لا أكثر.
اليأس الذي تسبّبه الأخبار الواردة من أبو ظبي يظهر واضحاً في أحاديث المستقبليين. فعلى مسافة أشهر من الاستحقاق، لا يملكون شيئاً من الأدوات الانتخابية: لا قيادة. لا مال، ولا عنوان معركة. وزادَ من هذا اليأس، الأسبوع الماضي، تسرّب معلومات عن لقاءات في أبو ظبي جمعت الحريري بمقرّبين منه، خصوصاً عمّته بهية وابنها احمد، أبلغهم خلالها رغبته بالعزوف عن الترشّح، وطلبه «عدم تشكيل لوائح باسم التيار»، مشيراً إلى أن «موقفه من المرشحين ودعمهم والطلب إلى المناصرين التصويت لهم سيصدر في الوقت المناسب»، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالموقف من ترشيحات الحلفاء.
في المبدأ، هذه الخطوة غير المسبوقة في مسيرة الحريري منذ عام 2005، تعني خروجاً (ولو مؤقتاً) من السلطة، من دون التأكّد بعد ما إذا كانَ القرار نهائياً، وسط ترجيحات بأن الحريري «يقوم بمناورة للوصول إلى اتفاق مع الرياض والفوز بتمويل انتخابي يكفي لإعادة إطلاق العمل السياسي والإعلامي الاجتماعي».
زوار باريس ينقلون عن الفرنسيين أن الحريري «بالتفاهم مع نفسه قبلَ التفاهم مع الآخرين، قرّر أن يستريح لفترة». فضلاً عن أنه «في الفترة المقبلة ستكون له مواقف تصعيدية ضدّ حزب الله، إذ لم يعُد لديه حساب لموقع في السلطة أو ربط نزاع. وسيعتبر نفسه في موقع المعارضة».
يتقاطع ذلك مع ما أبلغه مطّلعون في أبو ظبي لـ«الأخبار»، بأنّ «الحريري الذي التقى عمّته ونجلها أخيراً لمناقشة دور التيار وتحضيراته للانتخابات النيابية المقبلة، أبلغهما بحيثيات قراره». وأشار هؤلاء إلى أن «الحريري يعيش حالة إحباط شديد من الوضع السياسي في لبنان»، وأن «ما حصل معه على صعيد تحالفاته وداخل تياره وما آلت إليه الأمور أدى به إلى فقدان الثقة بغالبية القادة والمسؤولين الذين لم يعد ممكناً العمل معهم»، كما عبّر عن «استياء كبير من أداء الكوادر العليا في تيار المستقبل»، حاسماً بأن «العمل السياسي في لبنان يحتاج إلى ماكينة إعلامية وإدارية وخدماتية تتطلّب موازنة كبيرة، وهو ليسَ في وضع يسمَح له بتغطية هذه النفقات». كما أبلغ زواره بأنّه «مشغول» حالياً بترتيب أعماله الخاصة بنفسه، وأنه «لم يعُد بإمكانه الاتّكال على أحد، خصوصاً أنه ملتزم بالعمل في عدة مشاريع في أكثر من بلد، وقد أسّس مكتب استشارات واستثمارات يتعاقد مع مؤسسات كبيرة في دولة الإمارات». ولذلك، «يفضّل تجميد عمل التيار، ولا يحبّذ خوض الانتخابات، ولا الدخول في سجالات إعلامية مع هذا الطرف أو ذاك»، معبّراً عن خشيته من «الفتنة، فقد خبرنا جميع الأطراف ولا أثق بأحد منهم»!
وعندما حاول أحمد الحريري إقناعه بـ «الاستعانة بمرشحين يوالون التيار قادرين على توفير التمويل اللازم للعملية الانتخابية»، كرّر الحريري رفضه القيام بأي خطوة باسمه أو باسم التيار، وأنه «أصلاً ليسَ في موقع القادر على القيام بأيّ عمل سياسي في هذه الفترة».
قرار الحريري أثار موجة استياء لدى من اعتبروه إهانة لمسيرة الرئيس رفيق الحريري، وعلى رأسهم «العمّة بهية» التي أكّدت أن «بيت رفيق الحريري سيبقى مفتوحاً»، وأنها ستتصدّى لهذه المَهمة وحدها، مع إمكانية الانتقال إلى بيروت وخوض الانتخابات فيها على رأس لائحة للتيار في الدائرة الثالثة.
وبعدَ عودة الحريري ونجلها، دعا الأخير إلى اجتماعات لقيادات ومنسّقي التيار في أكثر من منطقة، وشدّد على أن التيار سيواصل عمله ويُشارك في الانتخابات، متحدّثاً عن آلية جديدة للتنسيق بينه وبين رئيس «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشمية الذي لا يزال يفضّل قيادة ماكينة مستقلّة عن قبضة أحمد الحريري.
لكنّ موقف النائبة الحريري لم يكُن محطّ قبول لدى قيادات سياسية حريرية، فضلاً عن الرئيس فؤاد السنيورة الذي أظهر تمايزاً إضافياً كونه لا يثق بقيادة أحمد الحريري للتيار، كما لا يريد أن يكون في حلف واحد مع بهاء الحريري. وهو يعتبِر أن في إمكانه العمل مع فريق من الشخصيات السُّنية في لبنان (من بينها «مجموعة العشرين») لقيادة الانتخابات وفقَ تحالفات تراعي الحسابات الداخلية والخارجية.