جاء في المركزية:
من غلاسكو، حيث يشارك في “مؤتمر الامم المتحدة السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إنه ” كان ناشد الوزير جورج قرداحي بأن يغلّب حسه الوطني على أي أمر آخر، لكن مناشدته لم تترجم واقعياً”، مؤكدا “اننا أمام منزلق كبير،اذا لم نتداركه سنكون وقعنا في ما لا يريده أحد منا”.
تكاد كلمات ميقاتي على قلتها، تلخّص الواقع اللبناني برمته، ليس لأن قرداحي يرفض الاستقالة بعدما اعلن انها غير واردة، لكن كونها تعكس قرارا اكبر من قرداحي نفسه، يفرضه فريق يسيطر على البلاد من رأسها حتى اخمص القدمين، لم يعد من شك بأنه يدفع لبنان نحو مواجهة لا يريدها احد كما قال ميقاتي، الا حزب الله ومن يبدّي مصالحه الخاصة على الوطن ومصيره، وعلى الارجح ان المصالح هذه لن يكون لها من مكان لترجمتها اذا لم يتغير الاداء السياسي والممارسة المتهوّرة التي تقودها المنظومة الحاكمة راهنا.
تقول اوساط سياسية معارضة لـ”المركزية” ان موقف ميقاتي يؤكد ان لبنان وسلطاته العليا كلها لا تمتلك زمام المبادرة بعدما فقدت القدرة على التحكم بالقرار نتيجة ارتهانها لحزب الله، اذ “لو كان قرارلبنان الرسمي حراً، لكان الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي طلبا من الوزير قرداحي الاستقالة كبداية للبحث في الحل، وتم تشكيل وفد لزيارة عواصم الخليج، والمبادرة الى نزع كل الصور الايرانية المرفوعة في لبنان لاسيما على طريق المطار في بادرة تؤكد لبنانية لبنان وعدم انحيازه لا بل انخراطه حتى الصميم في المحور الايراني، خصوصا ان في ايران نفسها لا يوجد هذا الكم من صور بعض الشخصيات الايرانية المرفوعة في لبنان وتسمية شوارع باسم مسؤولين ايرانيين.
ولا تستغرب الاوساط بلوغ علاقات لبنان هذا المبلغ من التدهور ما دام من يحكمه لم يعد يشكل اكثر من واجهة للحاكم الفعلي، لا يتجرأ على مخالفة قرار “الحزب الآلهي العليّ” الذي يعلّق جلسات مجلس الوزراء لارضاخ القضاء لأمرته بعدما تعذر عليه “قبع” المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ وينتشر مسلحاً في الشوارع مستفزا ومتعديا على الاملاك العامة والخاصة في اكثر من موقع، آخرها في عين الرمانة وما نتج عن غزوتها من ضحايا واضرار وتداعيات كادت تشكل الشرارة لحرب اهلية طائفية. وعلى رغم فداحتها وخطورتها، لم يتمكن مجلس الوزراء من عقد جلسة استثنائية طارئة لاتخاذ ما يلزم من تدابير ردعية ولا انعقد المجلس الاعلى للدفاع لمنع استسهال استخدام السلاح في الشوارع وتطويق ذيول ما جرى، ما دام الحزب متورطا ومصرا على قبع المحقق البيطار مقابل ازالة المتراس الحكومي.
ولا تقل الازمة الدبلوماسية الناشبة مع دول الخليج على خلفية مواقف وممارسات الحزب وخطف القرار اللبناني اهمية، لجهة ضرورة انعقاد مجلس الوزراء، عوض تشكيل خلية لمتابعة الازمة والايعاز بحجب اسماء اعضائها، وتوسيط القائم بالاعمال الاميركي لمعالجة علاقات لبنان مع السعودية ودول الخليج بدل التوجه الى الجامعة العربية وتسليمها الملف لايجاد الحلول خصوصا ان لبنان هو المتضرر الاكبر من الخطوة الخليجية وليست دول مجلس التعاون، الا ان الحزب لم يعبد الطريق حتى للبحث في الحل قاطعا الطريق على استقالة قرداحي.
ان الحال التي بلغتها السلطة السياسية لم تعد تصح فيها كل عبارات الاستهجان التي ملأت صفحات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي في لبنان والخليج، مستنكرة الارتهان للحزب وقراراته، خشية اغضابه وتلقي “القصاص” وردة الفعل العقابية، بحسب الاوساط التي تؤكد ان لبنان بات اليوم امام واحد من خيارين : الحياد والنأي بالنفس والشروع في اخراج لبنان من شرنقة حزب الله وخيمة المحور الايراني الى رحاب الحضن العربي وتاليا عودته الى سابق عهده من الازدهار ومنارة للشرق الى جانب العرب، او البقاء على رصيف انتظار مشروع الممانعة والتزام اجندة المحورالايراني الاقليمي.
فهل تفعلها المنظومة الحاكمة فتتهيب الموقف وتعود في ربع الساعة الاخير الى التزام سياسة النأي بالنفس التي استنبطها الرئيس ميقاتي في حكومته عام 2011 وتتقيد باعلان بعبدا لابعاد لبنان عن المحاور، ام تمضي في تعنتها وتبدّي مصالحها الخاصة كالعادة على الوطن وما بقي من شعبه فتقدمه فدية على مذابح مصالح المحور الفارسي؟ الخيار الثاني على الارجح سينتصر تختم الاوساط، استنادا الى التجربة المرّة مع هذه السلطة، وألآتي اعظم…