Site icon IMLebanon

أسعار نار ومواد مسرطنة وصيت أرخص من الفجل

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

قبل أن توقف المملكة العربية السُعودية وبعض الدول العربية الواردات من لبنان وتقفل الباب على دخول الانتاج اللبناني الى أراضيها لسبب معروف، كانت قطر قد أعلنت قبل الأزمة الحالية عن وقف استيراد ” الحشائش” من لبنان لأسباب صحية وبيئية…

اختلفت الأسباب والمنع واحد يشد الخناق على رقاب اللبنانيين ويقفل عليهم أبواب الرزق. أبواب ربما ساهموا في إغلاقها بوجوههم بعد أن أفلتوا مياههم الآسنة لتغرق مزروعاتهم بمواد محظورة وأرخوا ألسنتهم المتفلتة تبخ السموم في تصريحات موبوءة.

ما قصة تلك الحشائش التي قالت عنها دولة قطر أنها مسرطنة؟ كيف تمنعها الدولة المستوردة ويستمر اللبنانيون في استهلاكها؟ ما سبب القرار الذي يقضي بدءاً من 17 تشرين الثاني بمنع استيراد النعناع والبقدونس والكزبرة والملوخية من لبنان كإجراء احترازي نظراً لارتفاع نسبة متبقيات المبيدات، وباكتيريا ايكولاي والرصاص بشكل متكرر في نسبة كبيرة من العينات التي خضعت للتحليل خلال الأشهر الماضية؟.

قرار منع الاستيراد إذاً من قبل دولة قطر جاء للمحافظة على صحة مواطنيها والمقيمين فيها بعد أن تبين أن الحشائش اللبنانية التي يأكلها المواطن اللبناني على مائدته المتواضعة بشكل يومي او يكاد “يرعاها ” في الحقول بعدما لم يعد قادراً على شرائها مع وصول سعر ضمة البقدونس مثلاً الى 4000 ليرة، هي في الواقع مليئة بسموم مسرطنة.

مبيدات و أسمدة و مياه آسنة

نداء الوطن حملت السؤال الى المهندس الزراعي مروان غوش لتستطلع منه حقيقة هذه السموم وأساب وجودها في الحشائش المصدرة وبالطبع في الحشائش المحلية. وفي شرحه قال المهندس ان عدة احتمالات يمكن ان تتسبب بظهور السموم و الباكتيريا في النباتات اولها استخدام المبيدات الزراعية “الجهازية” pesticide systemique التي تتسلل الى داخل النبتة أي الى عصارتها وقد بات معروفاً عالمياً أن هذا النوع من المبيدات مسرطن ولا سيما إن لم تحترم فترة “التحريم” التي تقضي ألا يتم قطف النباتات إلا بعد عشرة أو خمسة عشر يوماً من رشها بالمبيدات. وثمة أنواع أخرى من المبيدات تعرف باسم مبيدات “الملامسة” تبقى على سطح النباتات من الخارج وتكون فيها فترة السماح أقصر لا تتعدى خمسة ايام. وحين لا يتم احترام فترة الأمان لكل نوع من أنواع المبيدات ويتمّ الإسراع في قطف النباتات فقد تحمل بقايا من المبيدات على أوراقها أو في داخلها. وفي حين يمكن إزالة بقايا مبيدات “الملامسة” من النباتات عن طريق غسلها فإن ما يتسلل الى داخلها لا يزول بالغسل وحتى أنه يتفكك عند الطهي ويتحول الى مواد لا تعرف كثيراً حقيقتها.

إسترخاص

يضيف المهندس الزراعي: اليوم مع غلاء أسعار المبيدات باتت الشركات المستوردة تفتش عن الأرخص وقد تعمد الى استخدام مواد من مصادر غير موثوق بها مثل باكستان او الهند مثلاً لا يمكن الركون إليها لا يعرف المزارع ما تحويه أو أثرها على المديين القصير والطويل.

أما السبب الثاني برأي الخبير الزراعي فيعود الى ري المزروعات في مناطق كثيرة من لبنان كما هو معروف بمياه الأنهر الملوثة بمياه المجارير الآسنة والتي تحتوي على أنواع من الباكتيريا مثل الإيكولاي وغيرها والأخطر ما تحتويه على معادن ثقيلة كالرصاص وملوثات كيميائية مسرطنة تفرزها المصانع التي تصب نفاياتها في الأنهر. وتزداد خطورة هذه المياه متى رشت على أوراق النباتات لا سيما تلك التي تؤكل نيئة مثل الحشائش على أنواعها. وتتراكم السموم الناتجة عن تناول هذه المزروعات داخل الخلايا الإنسانية وتحولها مع الوقت الى خلايا سرطانية.

يعتبر استخدام السماد الكيماوي لتغذية النباتات سبب إضافي لتلوثها وهو سماد غير عضوي مكوّن من الأملاح مثل نيترات الأمونيوم او البوتاسيوم يستعمل بشكل خاص للنباتات الخضراء لتنمو بسرعة فترتفع فيها نسبة النيترات المضرة جداً بالأجنّة الإنسانية كما تصبح نسبة الملوحة عالية في التربة هذا عدا عن استخدام المضادات الحيوية التي تعطى للنباتات لتنمو والأدوية المضادة للفطريات التي تسبب كلها ترسباً للمواد الضارة داخلها.

هذه الأسباب مجتمعة تعطينا فكرة واضحة عما يأكله اللبناني وما يصدّره. ولكن ألا تخضع الحشائش المصدرة لفحص مخبري قبل تصديرها؟ أحد المصدّرين الذي تحفظ عن ذكر اسمه قال لـ”نداء الوطن” أنه من غير الممكن فحص كل المواد المصدرة او حتى عينات منها لأن الحشائش عمرها قصير ولا بد من تصديرها جواً بعد قطفها بوقت قصير ولكن ما يتم القيام به عادة هو فحص عينات من الحقل المزروع فإذا كانت نظيفة يمكن حينها قطف المحصول وشحنه. يعترف المزارع المصدّر أنه لا يعرف حقيقة أسباب القرار القطري ويتساءل: هل لأن الروزنامة الزراعية القطرية لا تتناسب مع موسم تصدير الحشائش، أي أن موسم هذه الأعشاب قد بدأ في قطر مع حلول فصل الشتاء ولا بد لها من المحافظة على ما تنتجه منها شتاء، بينما في الصيف لا موسم مماثلاً عندها فتضطر الى الاستيراد؟ ربما تجيب هذه الفرضية على السؤال التالي لماذا الأعشاب وليس الفاكهة؟ والجواب بحسب المصدّر أن قطر لا تنتج فاكهة وهي مضطرة لاستيرادها.

نسأل مصدّراً آخر عن تقديره للأسباب منع دولة قطر لاستيراد الأعشاب من لبنان فيقول ان القوانين في هذه الدولة الخليجية حول سلامة الغذاء أقل تشدداً بكثير من القوانين السعودية مثلاً وشروط الاستيراد فيها أقل صرامة، لذا فإن أسباب المنع لا بد أن تكون قيّمة وليس مستبعداّ أبداً وجود مواد مسرطنة وباكتيريا في المزروعات ولا سيما أن الكل يعرف فوضى استخدام المبيدات في لبنان وعدم مراقبة وزارة الزراعة لطرق استخدامها وعدم قيام شركات الأدوية الزراعية بتوعية المزارعين حول الطرق الصحيحة لاستخدام المبيدات ولا سيما “الجهازية” منها التي تنساب داخل المزروعات. ولكن الأهم بالنسبة إليه كمصدّر ليس فقط تضررهم كمزارعين بل تضرر صحة المواطنين اللبنانيين كافة من جراء تناول هذه المزروعات والارتفاع المخيف في نسب السرطان في لبنان نتيجة التفلت في استخدام المبيدات والأسمدة ومياه الري الملوثة.

رأي المرجعيات الزراعية

ابراهيم الترشيشي رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع يحاول التخفيف قدر الإمكان من تداعيات هذا القرار ويقول لـ “نداء الوطن” ان وزارة الزراعة قد باشرت اتصالاتها مع الجانب القطري وأن المعالجة انطلقت وسيتم تشكيل لجنة تشرف على التأكد من سلامة كل المنتجات الزراعية المصدرة وإجراء الفحوصات المخبرية للتأكد من خلوها من اي ترسبات غير صحية قبل شحنها الى قطر او أي بلد آخر. علماً أن كل المنتجات الزراعية تخضع للفحوص قبل تصديرها و لكن لا بد من التشدد في الرقابة وتفعيل دورها يؤكد الترشيشي.

ومع معرفتنا بمصير اللجان المعتاد في لبنان نسأل الترشيشي عن دور المزارعين والمرجعيات الزراعية في ضمانة سلامة المنتجات الزراعية المعدة للتصدير وللاستهلاك المحلي فيقول: “نحن كمرجعيات زراعية علينا أن نوجّه المزارعين حول كيفية استخدام المبيدات والمحافظة على سلامة المزروعات لكن لا يمكننا الحلول محل الدولة ووزارة الزراعة في المراقبة او توقيف بعض المزارعين عن العمل وشطب اسمهم من التجمع. هذه المراقبة تحتاج الى قوى أمن ومحاكم ولكن أظن ان المزارع نفسه هو المتضرر الأكبر من عدم صحة مزروعاته فهو أول من يستهلك منتجاته مع عائلته وأولاده وأهله وأقاربه. وإذا وقع في الغلط في استخدام المبيدات فلا شك يكون غلطاً غير مقصود، لكن على وزارة الزراعة التشدد أكثر في المراقبة. أما بالنسبة للري من مياه الليطاني فإن الأجهزة الأمنية هي بالمرصاد لأي شخص يستخدم مياه النهر للري وهذا أمر معروف في منطقة البقاع وممنوع تركيب مضخات مياه على ما يسمى نهر الليطاني لا سيما أن أجزاء كبيرة منه لم تعد فيها مياه جارية.

بين التصدير وغلاء الأسعار

كمية تصدير الأعشاب الى دولة قطر لا تتعدى الطن يومياً يؤكد الترشيشي ويتم شحنها طازجة جواً ويبلغ إجمالي التصدير السنوي ما بين 300 الى 400 طن من أصل 50000 طن من كمية الخضار والفاكهة التي تستوردها قطر سنوياً من لبنان.

هذه الأرقام تفتح هلالين على مشكلة أدهى إذ لا يكفي اللبنانيين أنهم يستهلكون حشائش مشكوكاً بسلامتها بل يشترونها بأسعار جنونية انتفت معها مقولة” أرخص من الفجل”. نقيب تجار الخضار والفاكهة بالمفرق سهيل المعبّي يرفع الصوت عالياً ويقول ان التصدير المبالغ فيه هو الذي يرفع اسعار المنتجات الزراعية في لبنان الى درجة لم يعد المواطن اللبناني قادراً على شرائها. فكيف يمكن لرب العائلة أن يشتري ضمة بقدونس بأربعة آلاف ليرة فيما كانت 4 او 6 ضمات بألف؟ أسعار الجملة ارتفعت كثيراً بسبب قلة العرض لأن معظم المنتجات الزراعية يصدر الى الخارج بحجة إدخال الفريش دولار الى لبنان ولكن هذه الدولارات تدخل الى جيوب المصدرين الذين يحصلون على مواد الرش والسماد والبذور والشتول مدعومة فيما يعاني المواطنون من ارتفاع الأسعار الجنوني للخضار والفاكهة.

هذا الأمر يرفضه ابراهيم الترشيشي الذي يؤكد لـ”نداء الوطن” أنه من دون التصدير الى الخارج لا يمكن للمزارع أن يستمر، وحتى اليوم أكثر من 50% من المزارعين لم يعد بإمكانهم الاستمرار نتيجة الخسائر التي تكبدوها ولفقدانهم رأس المال الكبير للاستمرار خاصة وان عليهم الدفع نقداً لكل ما يشترونه. المزارع حرم من أمواله في المصرف ومن القروض المدعومة التي كان يحصل عليها ومن التسليفات التي كان ينالها من الشركات الزراعية. “واهمٌ من يظن أن التصدير هو سبب الغلاء في لبنان يؤكد الترشيشي وأن على المزارع تخفيض أسعاره لتوازي القدرة الشرائية للمواطن. المزارع بحاجة الى التصدير أولاً لأنه يدخل عملة صعبة الى البلد ثانياً لأنه يساعد في تصريف البضاعة المنتجة بدل تلفها او عرضها بأسعار أقل بكثير من كلفتها ثالثاً لأنه يساعد المزارع على الاستمرار وشراء المستلزمات الزراعية الضرورية التي باتت كلها بالدولار. من دون التصدير لا يمكنه الاستمرار”.

فهل إغلاق باب التصدير يخفض الأسعار أم يزيد الأزمة الاقتصادية استفحالاً؟