محقون جماعة محور الممانعة الذين يصرّون على أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي كانوا ينتظرون لبنان “على غلطة”، وأن الأزمة الدبلوماسية المستجدة بعد تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي ليست مرتبطة بتصريحات الأخير، وأن السعودية بعلاقاتها التاريخية مع لبنان لا يمكن أن تكون اتخذت كل الخطوات القاسية للمرة الأولى في تاريخ البلدين، وصولاً إلى حد سحب سفيرها من بيروت وطرد السفير اللبناني من الرياض بسبب كلام لقرداحي سابق لتولّيه مسؤولياته الوزارية.
ولكن أرباب الممانعة يتجاهلون أن تصريحات قرداحي أتت بمثابة “الشعرة التي قصمت ظهر البعير” في العلاقات بين الدولتين. هم يتناسون أن مكوّناً أساسياً في لبنان هو “حزب الله” يشكل منذ أعوام رأس حربة للحرس الثوري الإيراني من لبنان إلى اليمن، مروراً بسوريا والعراق. يتعمّدون إغفال واقعة أن عناصر من “حزب الله” يقاتلون في اليمن ويدرّبون الحوثيين على قصف السعودية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، كما أقاموا لهم معسكرات تدريب ميدانية في لبنان وأنشأوا لهم فضائيات إعلامية تحرّض على الرياض على مدار الساعة. ويتناسون فضيحة وزير الخارجية السابقة شربل وهبي وكلامه العنصري المقيت تجاه السعوديين خصوصا وأهل الخليج العربي بشكل عام.
وأرباب الممانعة يتجاهلون أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يهاجم السعودية في كل إطلالاته تماماً كما يفعل جميع مسؤولي حزبه، وأن السعودية تتهم “حزب الله” بالإصرار على تصدير المخدرات وحبوب الكابتاغون إلى المملكة لمحاولة تدمير المجتمع السعودي من الداخل!
ومنظّرو محور الممانعة في لبنان أسقطوا من ذاكرتهم قضية “خلية العبدلّي” التي ضبطتها دولة الكويت والتي كان يحضّر “حزب الله” من خلالها للقيام بعمليات أمنية في الكويت، كما أن كل تحريض الحزب استهدف أيضاً دولة الإمارات العربية المتحدة، كما كان الحزب يدعم الفوضى ضد النظام في البحرين…
ويأتي بعد كل ذلك أرباب الممانعة ليتحدثوا عن استهداف سعودي للبنان أو حصار مزعوم، وكأن السعودية هي من يعتدي على لبنان وليس “حزب الله” كذراع للحرس الثوري الإيراني هو الذي يعتدي على السعودية والإمارات والكويت والبحرين واليمن، ويعتدي على لبنان أولاً وعلى مصالحه العليا وعلاقاته التاريخية مع أشقائه وأصدقائه في الخليج العربي.
لم تعد الأزمة محصورة بتصريح غير مسؤول من هنا أو كلام مسيء من هناك. الموضوع بات يتعلّق بجوهر انتماء لبنان العربي وتموضعه إلى جانب الإجماع العربي بوجه المشروع الفارسي. لا بل إن القضية باتت في منع لبنان من الانزلاق ليكون رأس حربة في الحرب الإيرانية على الدول العربية وفي تهديد مصالحها من خلال الإندماج في مشروع تصدير الثورة الخمينية إلى قلب العالم العربي.
الأزمة الدبلوماسية التي باتت مفتوحة بين لبنان وبين دول الخليج العربي ليست متصلة على الإطلاق بـ”رمانة” كلام لـ”وزير الصدفة” جورج قرداحي، بل بـالقلوب العربية المليانة” نتيجة سيطرة “حزب الله” على مفاصل الدولة اللبنانية، و”إلزام” لبنان بسياسات خارجية وخطابات تخدم المشروع الإيراني، وتضرب انتماء لبنان العربي ومصالحه الحيوية.
نعم اللبنانيون باتوا اليوم أمام مفترق طرق خطر جداً، فإما يواجهون “حزب الله” ويرفضون الانتماء إلى محور الممانعة الإيراني ويصرّون على انتمائهم قلباً وقالباً إلى العروبة وإلى المحور العربي، وإما يخسرون وطنهم ودولتهم واقتصادهم ومصالحهم… وعندها لن ينفع الندم!