جاء في نداء الوطن:
بين خبث وسذاجة وقلّة مسؤولية، تتفاوت مواقف أفرقاء السلطة في بيروت إزاء سبل معالجة الأزمة المستفحلة مع الخليج العربي، بينما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في غلاسكو يسخّر كل لقاءاته وجهوده على هامش قمة المناخ لمحاولة تشكيل “لوبي” عربي – دولي يعينه على تطويق أزمة “الاحتباس الحراري” المحتدمة مع المملكة العربية السعودية ويجنّبه تجرع كأس الاستقالة المرّة مرّةً ثانية في مسيرته الحكومية.
وفي الداخل، تشكل “لوبي” مضاد رافض للتجاوب مع المساعي التي يبذلها ميقاتي لتبريد نار الأزمة تحت الأرضية الحكومية، حيث يتقاطع العهد مع “حزب الله” عند ضرورة عدم تقديم تنازلات “مجانية” للسعودية من قبيل الإطاحة بوزير الإعلام جورج قرداحي. إذ نقلت مصادر واسعة الاطلاع معلومات تفيد بأنّ “قوى 8 آذار لا توصد الباب نهائياً أمام إمكانية استقالة قرداحي في سبيل الإبقاء على الحكومة بعدما لمست جدية في عزم رئيسها على الاستقالة في حال بقي التعنت سيّد الموقف”، كاشفةً أنّ “الجهات السياسية المعنية بالتفاوض “على رأس” قرداحي بدت خلال الساعات الأخيرة منفتحة على خيار استقالته لكنها لا تزال تحجم عن تقديم هذه الورقة من دون مقابل، ليتركز البحث تالياً حول “الثمن” الذي يمكن تحصيله على طاولة الحوار مع السعودية لقاء المضي قدماً بهذا الخيار”.
ومن “أوراق القوة” التي يلوّح بها العهد العوني و”حزب الله”، استمرار الدعم الأميركي للتركيبة الحكومية القائمة، وهو ما تباهت به صراحةً قناة “المنار” مساءً بإشارتها إلى أنّ “الحكومة محمية بقرار أميركي – فرنسي”، بالتوازي مع تعميم موقع “التيار الوطني الحر” معلومات منقولة عن “مصادر سياسية رفيعة” تؤكد أنّ “الجانب الأميركي غير راضٍ عن الخطوات (السعودية والخليجية) المتخذة بحق لبنان”، على اعتبار أنّ “الأميركيين يبدون خشيتهم من أي فوضى في لبنان” لما لهذا الأمر من تأثير “على الاستحقاق الانتخابي وملف ترسيم الحدود” مع إسرائيل.
وبالعودة إلى لقاءات غلاسكو، فلم تسفر وفق مصادر مواكبة سوى عن مجرد “طبطبة” عربية ودولية على ظهر الحكومة، من دون أن يكون لها “أي أثر مباشر باتجاه حلحلة الأزمة اللبنانية مع السعودية ودول الخليج العربي”. فباستثناء الوساطة القطرية التي وعد بها الأمير تميم بن حمد آل ثاني رئيس الحكومة، مؤكداً أنه سيوفد وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن إلى بيروت قريباً “للبحث في السُبل الكفيلة بدعم لبنان ومعالجة الأزمة اللبنانية – الخليجية”، لم يرشح عن لقاءات ميقاتي مع سائر القادة الدوليين والعرب “أي وعود أو تطمينات عملية تشي بإمكانية إحراز أي نتائج إيجابية على مستوى محاولة فتح كوة في جدار الأزمة السعودية مع لبنان”، كما نقلت المصادر، مشيرةً إلى أنه “حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يجد ما يعد به ميقاتي بهذا المعنى، مكتفياً بإعادة التأكيد على حرص فرنسا وتمسكها بكل ما يؤدي إلى تحصين الاستقرار في لبنان ومنع انهياره الكامل”.
وفي الغضون، ينعكس التخبط الحكومي في معالجة تداعيات موقف قرداحي المؤيد للحوثيين في مواجهة السعودية والإمارات، مزيداً من التأزم في العلاقات الاقتصادية بين لبنان والسعودية. فبعد وقف الاستيراد على أنواعه من لبنان، اتخذت السعودية قراراً بإيقاف العمل مع شركات الشحن الجوي والبحري على خط بيروت ووقف الطرود بين لبنان والمملكة.
وبينما سرت في الساعات الأخيرة شائعات عن منع السعودية التحويلات المالية إلى لبنان وفرضها رسماً مادياً محدداً على المقيمين الراغبين بزيارته، سارعت مصادر شركات تحويل الأموال إلى نفي تبلّغها أي قرار عن تعليق التحاويل الواردة من دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً باتجاه لبنان، مؤكدة أن “خدمة التحاويل ما زالت سارية بشكل طبيعي وكالمعتاد حتى الساعة”. غير أنّ مصادر متابعة لم تستبعد أن تتخذ الإجراءات الخليجية منحى تصاعدياً في المرحلة المقبلة في حال عدم مبادرة الجانب اللبناني باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة هادفة إلى حلحلة الأزمة، وسط مخاوف تتصل تحديداً بإمكانية تعليق الرحلات الجوية التجارية من لبنان وإليه، فضلاً عن خطر تعليق التحويلات المالية من الدول الخليجية إلى البلد بذريعة وقوعه تحت هيمنة “حزب الله” المصنف عربياً ودولياً “منظمة إرهابية”. وفي هذا الشأن، تؤكد مصادر اقتصادية أنّ “التحويلات المالية للبنانيين المقيمين في دول الخليج العربي تقدر بحوالى 4.2 مليارات دولار سنوياً، وفي حال توقفها فإنّ لبنان سيخسر شهرياً تحويلات بما لا يقل عن 233 مليون دولار تتأتى عبر التحويلات المصرفية وشركات تحويل الاموال فضلاً عما ينقل من أموال نقداً مع القادمين من هذه الدول”، محذرةً من أنّ انقطاع هذه الأموال عن البلد سيدفع بسعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى “كسر أرقام قياسية دراماتيكية لا يمكن توقع أي سقف لها”.