كتب منير الربيع في “المدن”:
دخل لبنان فصلاً جديداً، سيكون له مترتبات كثيرة تفرض وقائع جديدة، وترتبط بسياق الأزمة في البلد، ونفوذ حزب الله، وترسيم الحدود، وغيرها من الملفات التي يطلق عليها “إنجاز الإصلاحات”.
تحصل هذه التطورات عشية استحقاقين انتخابيين، النيابية والرئاسية. ومن المتوقع، نتيجة هذه الاستحقاقات، أن تشهد البلاد تصعيداً كبيراً في سياق التصعيد الذي تشهده المنطقة. لذلك، هناك سؤال أساسي لا بد من البحث عن إجابة عليه: هل ما يجري يأتي في سياق خطة دولية منهجية واضحة؟ أم أنه نتيجة ردّ فعل سعودي طبيعي وغاضب؟ كلام وزير الخارجية السعودي يشير إلى منهج سياسي واضح. وهو يؤدي إلى تكبير حجر الأزمة لا تصغيرها، ويضعها في بعد أشمل من أن يكون حلّها مقتصراً على استقالة وزير أو إسقاط الحكومة، ويضع عنواناً عريضاً للصراع في مدى الاشتباك الإيراني السعودي. فلا يتعلق المطلب السعودي بإسقاط الحكومة بل بما هو أبعد من ذلك بكثير.
إجراءات جديدة
على طريقة التسويف اللبنانية، يحاول الجميع تمرير الأزمة، في محاولة للتغاضي عن مسارها التصاعدي، وسط معلومات تفيد بأن إجراءات خليجية جديدة ستتخذ بحق لبنان. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرتكز على دعم أوروبي-أميركي لبقاء حكومته، وهو يتمسك بهذه المعادلة للحفاظ على موقعه كرئيس للحكومة. في المقابل، لم يصدر موقف سعودي رسمي وواضح وعلني يشير إلى المطالبة باستقالة الحكومة، لا بل إن كل المعطيات تشير إلى أن الأزمة أصبحت أبعد من ذلك بكثير، ولم تعد تتوقف على وجود الحكومة أو رحيلها. فبكلا الحالتين لن يتغير الموقف السعودي.
تحت سقف هذا الموقف التصعيدي، هناك اتجاه لإعادة إحياء الانقسام العمودي في لبنان، كما كان الحال في العام 2011 على خلفية الإنقسام في المواقف حول الثورة السورية، وكان ذلك حينها في عهد حكومة ميقاتي نفسه. اليوم ينقسم اللبنانيون في مواقفهم حول العلاقة مع المملكة العربية السعودية. كان ميقاتي في العام 2011 يقول إن لبنان يمكن أن يكون مستقراً عندما يكون الإقليم مشتعلاً، أما عندما يهدأ الإقليم فيمكن للبنان أن يتفجر سياسياً وربما أمنياً. اليوم ثمة من يعتبر أن هذه المعادلة تغيرت، ولبنان يدفع ثمن ما يجري في الإقليم سياسياً واقتصادياً ومالياً. وهذه الأثمان ستتعاظم أكثر على وقع الأزمة الخليجية.
الانقسام اللبناني
لا يقتصر الانقسام اللبناني على طبيعة العلاقة مع السعودية، إنما تتزايد الانقسامات والاصطفافات حول أكثر من ملف، أبرزها تفجير المرفأ، اشتباكات الطيونة، وغيرها من الصراعات السياسية والاقتصادية والمالية. تُضمّ هذه الانقسامات إلى الموقف الخليجي الواضح جداً، وهو أنه لم يعد من مجال للوقوف في منطقة رمادية لمن يعتبرون أنفسهم حلفاء. وأول انعكاسات هذه المعادلة كانت على أداء الرئيس سعد الحريري السياسي، وسط معطيات وتحليلات كثيرة تتناول موقفه، وتشير إلى إعادته التفكير بموقعه السياسي ودوره.
وحتى لو بقيت الحكومة على حالها، ففي هذا الاصطفاف وبحال عدم استقالة رئيس الحكومة، ستصبح محسوبة بشكل كامل على إيران وحزب الله. وهي في الأساس كانت معطلة بسبب الانقسام حول قضية المرفأ. وهنا لا بد من طرح سؤال أساسي، هل يتم تفعيل الحكومة كتسليف دفعة لميقاتي على موقفه بعدم الاستقالة؟ والتغاضي عن قضية استمرار التحقيق في تفجير المرفأ؟ أم أن مصلحة ميقاتي تقتضي استمرار تعطيل الجلسات، كي لا يكون محرجاً ويعقد جلسة للحكومة بحضور قرداحي، الذي سيتلو مقرراتها، ما سيستفز دول الخليج أكثر؟ وهل بحال استمر تعطيل الحكومة ولم يتم تفعيل عملها، ستخسر ما تبقى من دعم فرنسي وأميركي؟ خصوصاً أنها ستكون بلا أي فعالية وغير قادرة على اتخاذ أي قرار؟