جاء في “المركزية”:
على رغم مأسوية الأوضاع في لبنان وتناسل الازمات بطريقة غير مسبوقة تطوّق اللبنانيين بمضاعفاتها وتراكماتها اللامحدودة، ينشغل فريق واسع منهم بما يصفونه بسرّ يجمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يجمعهما ويمنعهما على الارجح من المواجهة، وان حصلت في الميدان تُسحب تداعياتها وتعالج بأسرع من المتوقع مهما بلغت حدتها.
ومع ان الفريقين لا يلتقيان في المشروع والرؤية الاستراتيجية الشاملة، خصوصا ان الحركة منخرطة في المشروع الشيعي عبر ثنائية ارتباط مع حزب الله، الا انهما يلتقيان في البرلمان على الكثير من الملفات والقوانين، وفي خارجه ايضا، لا سيما حيث تجمعهما المصلحة “المضادة” للتيار الوطني الحر وقد وصفهما رئيسه النائب جبران باسيل بعيد اشتباكات الطيونة واقرار التعديلات على قانون الانتخاب في الجلسة التشريعية بثنائية التواطؤ في تغريدته الشهيرة “عندما تحدثت عن تواطؤ ثنائي الطيونة قامت القيامة. هذا التواطؤ شاهدناه في الشارع على دم الناس وفي مجلس النواب على قانون الانتخاب وحقوق المنتشرين. وسنشاهد هذا التواطؤ قريباً في المجلس النيابي وفي القضاء على ضحايا انفجار المرفأ والطيونة سوية”.
في اعقاب حوادث الطيونة، اصدرت قيادتا حزب الله وحركة أمل بيانا مشتركا اكد إن “مجموعات من حزب القوات اللبنانية انتشرت على أسطح البنايات ومارست القنص المباشر للقتل المتعمد “. واستنكرت “العمل الإجرامي والمقصود الذي يستهدف الإستقرار والسلم الاهلي”. عند هذا الحد اعلنت الحركة وقف اطلاق النار على القوات فيما اشتعلت الجبهة مع حزب الله ما حمل سيّده حسن نصرالله على تخصيص اطلالة بكاملها لخصمه العنيد “الممانع” مشروعه السياسي سمير جعجع، لم يوفر فيها تهمة الا والصقها به، مهددا ومتوعدا وكاشفا مستور “المئة الف” مقاتل الذين يتحركون بإشارة من اصبعه، الامر الذي قرأ فيه المناهضون ضعفا ومحاولة تعمية على الخسارة التي مني بها الحزب صاحب نظرية تحرير القدس وانكسار هالة الانتصار الدائم وفائض القوة الذي يغلف به مشروعه في ازقة عين الرمانة. ولم يتوقف عند هذا الحدّ بل تم نسج سيناريو في دوائر فريقه السياسي والحلفاء امنيا وقضائيا، الا انه اصطدم برفض المؤسسة العسكرية نسج سيناريو خارج الحقائق وختم الملف واحالته الى القاضي فادي صوان.
تمنّع القوات عن مهاجمة امل وحصر رد جعجع بحزب الله ازعج الحزب والتيار الوطني الحر الى درجة توجيه الاتهام بالتواطؤ في تغريدة باسيل وعدم اخفاء الحزب في مجالسه تململه من طريقة التعاطي هذه، واستثناء جعجع لبري من رده، وتوسع رقعة التساؤلات عما يربط الرجلين الى درجة الترفع عن تبادل التهم وتجاوز المواجهة الميدانية الدامية في عين الرمانة والالتقاء على المشاريع في الندوة البرلمانية وكأن شيئا لم يكن بين عين التينة ومعراب.
عبثًا يحاول المحاولون معرفة السرّ المخبأ ضمن جدران المقرَين، او تلمس معطيات حسية تتيح الاطلاع على اللغز المكتوم وفك طلاسم ما يجمع الرجلين، وما اذا كان ثمة ما يملكانه ولا يعرفه الباقون، يتيح الى هذه الدرجة سهولة التعاطي والانسيابية بينهما ،رغم تضارب المواقف في اكثر الملفات حساسية اليوم، تفجير المرفأ ومصير القاضي طارق البيطار واشتباكات الطيونة التي يأبى حليف بري طي صفحتها مصرا على ترك ملفها القضائي مفتوحا لاستخدامه ضد جعجع في مجال اضعاف اوراقه الرئاسية، بعدما تلقى ابرز المرشحين جبران باسيل وسليمان فرنجيه ضربتي العقوبات الاميركية على الاول والازمة الخليجية على الثاني من خلال وزيره جورج قرداحي ، مقابل سطوع نجم جعجع مسيحيا وعربيا لتجروئه على مواجهة الحزب عسكريا.
وفيما يتحفظ الرئيس بري على الخوض في طبيعة هذه العلاقة وينفي كما جعجع وجود سرّ بينهما، تؤكد معراب ان ما يجمعهما هو مجرد تقاطع مصالح وتعاط على القطعة بحسب الملفات التي يصدف ان يتشاركا الرأي في معظمها. الا ان الثابت والاكيد ان اكثر وابعد من ذلك موجود، وهو على الارجح حنكة وذكاء الرجلين واستشرافهما ابعاد المرحلة وما قد تحمله من تبدلات في المعادلات السياسية توجب التعاطي معها بـ”تواطؤ” ولكن من نوع آخر…