كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
لو خُيِّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتمنى لو يصار الى تمديد فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي في مدينة غلاسكو، وارجأ عودته الى لبنان أو طلب تقديم طلب لجوء هرباً مما ينتظره في لبنان، ومن حقيقة واقع حكومته المهدد مصيرها والتي تحولت الى مجموعة لجان وزارية، وكانتونات بعد ان ظهر التباعد بين الوزراء على خلفية الازمة مع السعودية. لقاءاته مع رؤساء الدول والمسؤولين على هامش المؤتمر لن تزيد على كونها صوراً تبقى للذكرى في ارشيف رئيس الحكومة، الذي سيعود خالي الوفاض من حل لأزماته المتراكمة في وجه حكومته التي لم تكمل شهرها الثاني بعد.
الوضع لا يزال على حاله بل ازداد سوءاً لاصرار وزير الاعلام جورج قرداحي على عدم الاستقالة. عبّر الرجل عن رأيه ولم يزد عما سبقه اليه الكثيرون من تحليلات حول حرب اليمن، لكن القدر شاء ان تكون ساعة الصفر لانطلاق معركة تصفية الحسابات مع لبنان على خلفية ما قاله. ورغم تأكيد المملكة على لسان مسؤوليها ان اصل المشكلة مع لبنان ليست تصريحات قرداحي الا ان الضغوطات على الوزير لم تهدأ بعد.
من اسكتلندا حاول ميقاتي الاستعانة بأكثر من صديق لحثه على الاستقالة، طلب من الثنائي الشيعي المساعدة في منحه خطوة ايجابية يطرحها في لقائه مع وزير الخارجية الاميركي، وتقدير موقفه امام المملكة السعودية متوجهاً لاحدهم بالقول “بدكم تساعدوني”، والعبارة الاخيرة معناها تقديم استقالة قرداحي على سبيل حسن النية. فهم ميقاتي جيداً ان الاميركيين كما الفرنسيين لن يكون لهم تأثيرهم على السعودية، وبالتالي فالتصعيد من ناحيتها سيكمل مساره بوتيرة أشد وأصعب فصار بحاجة لتقديم خطوات تُليِّن الموقف او تفرمل التصعيد، فيصبح بالامكان اقلّه استئناف عمل الحكومة مجتمعة بعد ان تحوّلت الى حكومة لتصريف الاعمال أو أقل.
صار امر انعقاد مجلس الوزراء اكثر تعقيداً في ضوء الازمة المستجدة، وانعقاده ربما يفهم على انه تحدٍّ باتجاه السعودية لا يقدر على تحمل تبعاتها رئيس الحكومة والسنّة عموماً، كما ان الازمة المستجدة لم تحدث تبدلاً في موقف الثنائي الرافض للمشاركة، ما لم تحل قضية تحقيقات المرفأ وتنحّي المحقق العدلي طارق البيطار، الذي وعلى ما نقل عنه امس ينوي استكمال تحقيقاته في سياق المسار ذاته، ما يعني استمرار الازمة.
بين الاميركيين والايرانيين نقطة تقاطع هي الحفاظ على هيكل الحكومة، الأولى بداعي الحد من الانهيار والثانية نكاية بالسعودية. يحاول الاميركيون تهدئة الازمة ليس من اجل تمرير استحقاق الانتخابات الذي صار في علم الغيب، بل في محاولة لمنع الانفجار الكبير في بلد يتهاوى يوماً بعد يوم. تزايد قلق ميقاتي ازاء عدم قدرة الاميركيين على الحد من تصعيد السعودية وضغطها على لبنان، وداخلياً فشلت محاولاته بالضغط لاستقالة قرداحي، لا الثنائي الشيعي قبل ولا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي بات متأكداً ان الخطوة لن تقدم ولا تؤخر، سائلاً ماذا لو طلبت ايران غداً ازاحة وزير من الحكومة فهل يجب ان نستجيب لطلبها؟ موقف يلتقي مع رأي الثنائي الشيعي الذي عارض منذ البداية تشكيل ما يسمى خلية رأب الصدع وعاجل الى سحب وزير المالية من اجتماعاتها، رافعاً عنها ميثاقية التمثيل فصارت كأنها لم تكن بين ليلة وضحاها.
إزاء هذا التصعيد يطلب رئيس الجمهورية من الثنائي الشيعي عدم ثني قرداحي اذا كان بوارد الاستقالة. يرغب عون في عودة جلسات مجلس الوزراء وهو بانتظار عودة ميقاتي ليلتقي معه يوم غد الخميس للاطلاع منه على المشاورات التي اجراها، وتمهيداً لاتخاذ ما يلزم من قرارات على اكثر من مستوى.
مصادر رفيعة قالت ان الحلول الجزئية والموضعية لم تعد تجدي في ملف العلاقة مع السعودية والخليج، وقد حان الوقت لفتح حوار يعيد صياغة العلاقات على قاعدة المؤسسات بين الدولتين، كي لا تبقى خاضعة لأي مزاجية من اي جهة كانت، واستذكرت كيف ان موقف المملكة من الحريري صعّب عليه امكانية تشكيل اي حكومة وان الموقف اليوم يرتدّ سلباً على لبنان، الذي لا يريد الا علاقة مبنية على الاحترام المتبادل.
وتكمل المصادر قولها ان هذا الامر لا يلغي ان على المكونات السياسية المشاركة في الحكومة ان تدرك ان استمرار شلّ مجلس الوزراء لأي سبب كان وتحت اي ذريعة كانت، يلحق الضرر بالناس وبالتالي على الجميع ان يفكر في فك المسار السياسي عن مسارات الاشتباك السياسي او القضائي. وتختم المصادر قولها ان رئيس الجمهورية يعتزم وضع الجميع امام مسؤولياتهم، لأن شل الحكومة يعني تعميق الانهيار ويؤخر اقرار خطة التعافي المالي كما يؤخر المفاوضات مع صندوق النقد والانقاذ.