كتبت بولا أسطيح في صحيفة الشرق الأوسط:
يستنفر القيمون على القطاعات الأساسية في لبنان للضغط على القوى السياسية اللبنانية باتجاه حل الأزمة مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فخسائر لبنان تقدر بمئات ملايين الدولارات نتيجة قرار الرياض وقف حركة الاستيراد والتصدير مع بيروت، ما يترك تداعيات كبيرة على الاقتصاد اللبناني المتهالك أصلاً.
وبحسب الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، بلغ حجم صادرات لبنان إلى العالم 3.8 مليار دولار أميركي في عام 2020، لافتاً إلى أنه ما دام القرار الحالي يطال وقف الصادرات اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، فذلك يعني خسارة بقيمة 220 مليون دولار أميركي. ويوضح عجاقة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الخسارة تطال خصوصاً القطاع الزراعي بـ92 مليون دولار أميركي، والقطاع الصناعي بـ97 مليار دولار أميركي، وقطاع الأدوية بـ10 ملايين دولار أميركي»، مشيراً إلى أن «هذه الأرقام مرشحة إلى الارتفاع إذا ما تم توسيع رقعة العقوبات». ويعتبر عجاقة أن «المشكلة الأساسية هي في عدم إمكانية إيجاد أسواق بديلة لتصدير الصناعات والزراعات اللبنانية، باعتبار أن هذه المنتجات لا تستوفي مثلاً شروط الاتحاد الأوروبي رغم الاتفاقيات الموقعة معه».
ويُعتبر القطاع الصناعي من أبرز القطاعات التي ستضرر بعد النهضة التي شهدها في العامين الماضيين نتيجة تعثر عملية استيراد المنتجات من الخارج، بسبب شح الدولار، ما أدى إلى إنشاء عدد كبير من المصانع اللبنانية لتغطية النقص بالمنتجات المستوردة. ويقول خبراء اقتصاديون إنه نتيجة الأزمة المستجدة ستتوقف المملكة عن مد لبنان بجزء من المواد الأولية الأساسية لعدد من الصناعات ما سيؤدي لضرر كبير، باعتبار أن المصانع غير قادرة على استيراد هذه المواد من بلدان أخرى بأسعار معقولة نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن.
وكان القطاع السياحي المحرك الأساسي في السنوات الماضية للاقتصاد اللبناني الذي يعتمد بشكل كبير على السائح الخليجي، إلا أنه ومنذ عام 2015، ومع منع الدول الخليجية رعاياها من زيارة لبنان لأسباب شتى أبرزها لأسباب أمنية، تم توجيه ضربة قاضية للقطاع، بحيث إنه، وفق ما يقول عجاقة، «كان السائح السعودي يتصدر الإنفاق على السياحة في لبنان بنسبة 16 في المائة من إنفاق السياح ككل».
أما بما يخص القطاع الزراعي، تفيد المعلومات بأن حركة الاستيراد من لبنان باتجاه المملكة متوقفة بالكامل منذ مايو (أيار) الماضي، علماً بأن الرياض كانت تحتل المرتبة الأولى من حيث استيراد الزراعات اللبنانية. ويصدّر لبنان ما نسبته 73 في المائة من حجم صادراته الزراعية إلى الخليج، أي بمعدل 450 إلى 500 ألف طن سنوياً، ويذهب نصف هذه الصادرات إلى السعودية بمعدل 175 ألف طن، بحسب الرئيس السابق لمجلس إدارة ومدير عام «مؤسسة تشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال)» نبيل عيتاني. من جهته، نبّه رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك من «أننا ذاهبون نحو الخراب، بعد القرار السعودي بوقف الواردات اللبنانية». وأشار في حديث تلفزيوني إلى أنه «لا أسواق جديدة للإنتاج الزراعي، لا سيما الحمضيات»، مؤكداً أن الكميات ستطرح بالأسواق اللبناني «فلا خيار لدينا لكن الأسعار ستنهار».
بدورها، رفعت الهيئات الاقتصادية الصوت، منبهةً بعد لقائها البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى حجم الخسائر الاقتصادية والصناعية تحديداً، كما الأضرار الإنسانية الناجمة عن القطيعة السعودية للبنان. وقال رئيس الهيئات محمد شقير لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 9 سنوات ونحن نحذر مما يقترفونه بحق الاقتصاد اللبناني، باعتبار أنه لم يبقَ قطاع إلا وتضرر»، لافتاً إلى أننا «تخطينا اليوم مرحلة الخطر، خاصة أن القسم الأكبر من اقتصادنا قائم على دول الخليج». ونبّه شقير من أن «استمرار الأزمة الحالية مع دول الخليج من شأنه أن يوجه ضربة قاضية لقطاع الصناعة كونه سيؤدي لفقدان عشرات الآلاف وظائفهم وهجرة المزيد من المصانع إلى الخارج».