Site icon IMLebanon

هل من دور لعون في تقوية “الحزب”؟

دنير رحمة فخري- “إندبندنت عربية”:

يعتبر البعض أن الاتفاق الرباعي الذي حصل في الانتخابات النيابية عام 2005، بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” وحزب “القوات اللبنانية” الذي كان رئيسه لا يزال في السجن حينها، كان السبب في ابتعاد رئيس “التيار الوطني الحر”، آنذاك، ميشال عون بعد عودته من المنفى في باريس، عما كان يُعرف بالتجمع السيادي لـ “قوى 14 آذار”، علماً أن الجنرال عون وقبل الاتفاق الرباعي وقبل عودته من باريس، كان فتح فصلاً جديداً من العلاقة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي أرسل إلى فرنسا وفداً ضم الوزير السابق كريم بقرادوني بهدف إعادة التواصل مع رئيس التيار، فيما كانت القوى اللبنانية جميعها، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تطالب في ساحة الشهداء في بيروت بخروج الجيش السوري من لبنان.

وللمفارقة أن “حزب الله” حصر الاتفاق الرباعي مع “القوات اللبنانية” بدائرة بعبدا، فيما يُحكى أنه ساعد مرشحي “التيار الوطني الحر” وجيّر لهم أصوات الناخبين الشيعة في بعض الدوائر. لم يكُن مضى على عودة عون إلى بيروت أكثر من ثمانية أشهر حتى وقّع مع “حزب الله”، حليفه الجديد الذي أُوكلت إليه دفة قيادة محور الممانعة بعد الانسحاب السوري، تفاهماً سياسياً من 10 نقاط عُرف بتفاهم مار مخائيل. وفيما بقيت بنود أساسية من الاتفاق غير منجزة، وفي مقدمتها موضوع مكافحة الفساد والسلاح غير الشرعي، نُفّذ من تحالف “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بند انتخاب عون رئيساً للجمهورية، فوفى الأمين العام للحزب حسن نصر الله بوعده لحليفه المسيحي وعطّل مع التيار وحلفائهما مجلس النواب والبلد لعامين حتى انتُخب عون عام 2017، فدخلت العلاقة بينهما حدود التناغم والتواصل في كل تفاصيل إدارة البلاد، ما دفع كثيرين إلى اتهام رئيس الجمهورية بتغطية “حزب الله” وتحمّل مسؤولية إمساكه بالقرار في لبنان.

أين أخطأ رئيس الجمهورية؟

بحسب المنسق العام السابق لقوى 14 آذار ومؤسس “لقاء سيدة الجبل” المعارض لما يصفه بالاحتلال الإيراني للبنان، فارس سعيد، أخطأ الرئيس عون بعد وصوله إلى بعبدا عندما لم يتصرف كحكم، وعند تمنّعه عن رسم حدود بين المصلحة اللبنانية ومصلحة “حزب الله”. يقول سعيد إن “عون قام بتغطية الحزب في كل شيء وآخرها قضية المرفأ وتحقيقات حادثة الطيونة وقبلها في موضوع السلاح”، سائلاً “أين الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية للبحث في الاستراتيجية الدفاعية، والذي كان وعد به في خطاب القسم يوم انتخابه؟”.

ويتهم سعيد عون الذي أقسم على الحفاظ على الدستور، بأنه “خالف الدستور الذي ينص على حصرية السلاح بيد الدولة وأجهزتها الرسمية. وخالف الدستور الذي ينص على هوية لبنان العربية عندما أسهم في إبعاد لبنان عن محيطه العربي وسمح بذلك”. ويضيف “لا بالكبيرة شفناه ولا بالصغيرة”، مؤكداً أنه “كان يمكنه أن يحذو حذو الرئيس العراقي الذي كانت لدية القدرة على قول اللا، واضعاً مصلحة بلاده قبل أي مصلحة أخرى”.

ولكن، لماذا يستمر رئيس الجمهورية بتغطية “حزب الله” وسياسته بعد وصوله إلى بعبدا، هل الهدف توريث جبران باسيل كرسي بعبدا؟ يجيب سعيد “لأن عون يخاف وحزب الله يخيف، أما التحضير لصهره فمزحة”.

أين غطى عون “حزب الله”؟

تجنّب الرئيس عون في الأعوام الخمسة الماضية من عهده ضبط “حزب الله” عندما أساء إلى علاقات لبنان العربية أو الدولية، وكان يكتفي في كل مرة كما فعل في الأزمة الحالية مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بالتبرّؤ من موقف الحزب بخجل تحت عنوان أن هذه ليست مواقف الدولة اللبنانية، ولبنان بلد التنوع والحريات والتعبير عن الرأي. وتجاهل الرئيس عون تدخل الحزب في حروب عربية لمصلحة إيران وضد مصلحة لبنان، ورضي بتجيير السياسة الخارجية لمصلحة الحزب، عبر تسلّم فريقه السياسي “التيار الوطني الحر” وزارة الخارجية، فالتزم وزير الخارجية جبران باسيل في المنابر العربية والدولية سياسة محور الممانعة لا سياسة الحكومة اللبنانية. وفي حرصه على الحصول على الثلث المعطل في الحكومات في عهده وقبله، سمح الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” لـ”حزب الله” بالتحكم بقرار مجلس الوزراء. وتحت حجة تجنّب المواضيع الخلافية، استُبعدت المسائل السيادية عن طاولة السلطة التنفيذية. حتى التعيينات الإدارية والأمنية، لم تكُن تحصل إلا بعد التنسيق بين رئيس الجمهورية ورئيس التيار جبران باسيل و”حزب الله”. ومن أجل مصالح الحزب المرتبطة باستخدامه الحدود الشرعية وغير الشرعية لإدخال الأسلحة الإيرانية عبر سوريا إلى لبنان، لم يتم ضبط الحدود والمعابر البرية والجوية والبحرية. وفي كل مرة سئل رئيس الجمهورية عن سلاح “حزب الله”، كان جوابه أن هذا السلاح هو لمقاومة العدو الإسرائيلي وليس للاستخدام في الداخل، حتى إنه لم يحرك ساكناً عندما اتهم الجيش اللبناني بأنه ضعيف ولا يقوى على حماية لبنان، كما ألمح نصر الله في آخر إطلالاته الإعلامية عندما تحدث عن معركة الجرود مع “داعش”. وفي عهد عون، تسبب حريق في القصر الجمهوري بإحراق “إعلان بعبدا” الذي تحدث عن النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية وعن وضع استراتيجية دفاعية تحصر السلاح في يد الدولة وجيشها، وبقي قرار الحرب والسلم بيد “حزب الله”، وسلّم رئيس الجمهورية بذلك، على الرغم من الأصوات التي كانت تنادي بعكس ذلك.

العلاقة مع “حزب الله” بديهية

لا يرى مؤيدو رئيس الجمهورية والمقربون من “التيار الوطني الحر” أي سوء في أداء عون، لا سيما في علاقته مع “حزب الله”. ويعتبر الأستاذ الجامعي المحامي عادل يمين أن “علاقة عون بالحزب هي من البديهيات، كون رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ما يعني أنه من البديهي أن يسعى دوماً ليكون في أفضل العلاقات مع مختلف القوى والكتل والأحزاب والفئات اللبنانية، بما فيها حزب الله الذي يمثل فئة كبيرة من اللبنانيين، وهي قدمت مع سائر اللبنانيين تضحيات كبيرة دفاعاً عن الوطن في مواجهة العدو الإسرائيلي وفي مسيرة تحرير الأرض اللبنانية والأسرى اللبنانيين من هذا الاحتلال، وكذلك في مواجهة المنظمات الإرهابية”.

ويذكّر يمين بأن “الرئيس عون أبرم تفاهماً مع الحزب قبل وصوله إلى الرئاسة بعشرة أعوام، تمكّن بواسطته من الحصول على موافقة حزب الله على بنود عدة، أهمها أن تبقى الديمقراطية التوافقية القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور، ولجوهر ميثاق العيش المشترك، وهو ما يبعد المخاوف والهواجس المتعلقة بهيمنة غالبيات طائفية أو مشروع جمهورية إسلامية في لبنان. وتمكّن الرئيس عون بواسطة تفاهمه مع حزب الله من اعتماد قانون انتخاب جديد شكّل مدخلاً للإصلاح وانتظام الحياة السياسية في لبنان، عبر ضمانة صحة التمثيل”.

وفي رده على تغطية رئيس الجمهورية لسلاح “حزب الله”، يدافع يمين المقرب من عون بأن “حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت”. ويضيف، “من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تُحتلّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية”.

التعقيدات الإقليمية والداخلية لم تسمح بحوار بشأن السلاح

يشرح المحامي يمين رداً على تخلّف رئيس الجمهورية عن تنفيذ وعده بالدعوة إلى حوار للبحث بالاستراتيجية الدفاعية وسلاح “حزب الله”، أن “التعقيدات التي كانت سائدة على الساحتين الإقليمية واللبنانية لم تكُن تسمح بحوار موضوعي وبنّاء ومنتج”، معتبراً أنه “من واجب رئيس الجمهورية أن يدقق بالظروف المحيطة قبل توجيه أي دعوة إلى الحوار حتى يؤمّن نجاحه”. وعن سلاح “حزب الله”، يرى يمين أنه “يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدّين: الحد الأول هو الاستناد إلى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني وتشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحد الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله”، مذكّراً بأن “ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر حمّلت اللبنانيين مسؤولية تقاسم أعباء حماية لبنان وصيانة كيانه وأمنه والحفاظ على استقلاله وسيادته من خلال تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية وحماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صوغ استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها”.

الحديث عن تغطية عون للحزب تضليل

يرفض يمين اتهام رئيس الجمهورية بتغطية “حزب الله” وسلاحه، مدافعاً بالقول “أي حديث عن تغطية الرئيس عون لسلاح حزب الله من دون تحديد محتوى التغطية يهدف إلى التضليل، لأن عون منذ ما قبل تولّيه الرئاسة غطّى ورقة التفاهم التي حصرت وظيفة سلاح حزب الله وفتحت آفاق البحث عن وضعيته ومبرراته ضمن استراتيجية وطنية”.

وبحسب يمين، “التغطية غير المنضبطة لحزب الله تكفّل بها التحالف الرباعي الذي تمّ نسجه عام 2005 بعيداً من التيار الوطني الحر”، متهماً الحكومات المتعاقبة منذ عام 1990، التي شاركت فيها كل القوى، بأنها تكفلت بتغطية سلاح “حزب الله” عبر البيانات الوزارية. ويرفض يمين اتهام رئيس الجمهورية بالتسليم بسياسة خارجية للبنان لمصلحة “حزب الله”، معتبراً أن السياسة الخارجية لعون قامت دوماً على الانفتاح والتوازن، وقد حرص على أن تكون الزيارة الخارجية الأولى له كرئيس للجمهورية إلى المملكة العربية السعودية، ولا يتردد في التأكيد دوماً على تطلعه إلى أفضل العلاقات مع دول الخليج، وهو ينادي بالتضامن العربي ويرفض استفزاز أي دولة عربية.