بقوة إسناد فرنسية – أميركية واكبته برشق من المواقف الصادرة عن خارجية كل من البلدين، تأكيداً على وجوب تذليل العقبات أمام استعادة الحكومة اللبنانية قنوات التواصل والاتصال مع السعودية والخليج العربي… استجمع الرئيس نجيب ميقاتي قواه الدستورية ليلقي بثقل الرئاسة الثالثة في ميزان معادلات الأزمة المحتدمة، جراء تمنّع وزير الإعلام جورج قرداحي عن الاستقالة، فآثر من على منبر السراي الكبير تجديد مناشدة الأخير “تغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية وعدم التسبب بضرب الحكومة وتشتيتها”.
وإذا كان وزير الإعلام عاجل رئيس حكومته بـ”جواب نهائي” يحذف الاستقالة من شاشة الخيارات الماثلة أمامه، فإنّ خطاب السراي أتى في جوهر رسائله على قاعدة “بحكيك يا قرداحي لتسمع يا حزب الله”، متضمناً جملة مواقف صارمة تضع حداً لأجندة ابتزاز الحكومة وتعطيل عملها، بغية تحقيق مكتسبات سياسية داخلية وإقليمية في مواجهة الدول العربية، وقضائية في مواجهة المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ. فبدا كمن يتوجه مباشرةً إلى “حزب الله” ولو من دون تسميته حين توجه إلى من يمارسون “نهج التفرد والتعطيل من داخل الحكومة”، بالتشديد على أنه “مخطئ كل من يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد، وأنه يمكنه أخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي، وأنه في لحظة تحولات معينة لم تتضح معالمها النهائية بعد يمكنه الانقلاب على الدستور”.
وتحت سقف السراي، رسم ميقاتي “خريطة طريق طبيعية للخروج من الأزمة” الحكومية، تنطلق في عملية معالجة تداعيات القطيعة العربية من نقطة استقالة قرداحي، وفي قضية التحقيق العدلي في جريمة المرفأ من رفض قاطع لمحاولة “استدراج الحكومة إلى التدخل بأمر قضائي، لما يتركه ذلك من أضرار سيئة على التماسك الحكومي”، جازماً بأنّ هذه المسلّمات هي “طريق الحل ولا حل سواه” في سبيل عودة مجلس الوزراء للانعقاد، “ومناقشة كل الملفات والقضايا التي تعني الحكومة بعيداً عن الاملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد”.
غير أنّ “حزب الله” لا يبدو في وارد مراعاة خاطر رئيس الحكومة والسير بهدي خريطة طريقه، لا سيما في ظل تسريب أوساطه مساءً معلومات قاطعة للطريق أمام عودة مجلس الوزراء “قبل معالجة مسألة القاضي طارق البيطار”، بينما على مقلب أزمة قرداحي فاستمر سيل الرسائل التصعيدية في تعميق الهوة الحكومية مع المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى مطالبتها على لسان الشيخ نعيم قاسم بـ”الاعتذار”، بالتوازي مع إعادة تبني كتلة “الوفاء للمقاومة” موقف قرداحي الداعم للحوثيين، باعتباره اختزن “توصيفاً صحيحاً لطبيعة الحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية ضد اليمن”. وذلك بالتزامن مع استمرار المحاولات الهادفة إلى فرض نوع من المقايضة بين استقالة وزير الإعلام وبين تحقيق مكتسبات سياسية وحكومية جراء تقديمها، كما ألمحت مقدمة نشرة “المنار” المسائية في معرض انتقادها تجديد ميقاتي مناشدته الاستقالة، “من دون أن يستقي أي معلومة عما ستؤدي إليه هذه الخطوة، فهل حصل على تعهد سعودي أو أخذ ضمانات دولية لتنفيذ خطة أولها استقالة الوزير؟”.
وفي خضم مشهدية التضعضع الحكومي، حرصت أوساط الرئاسة الأولى على تعميم أجواء إعلامية تؤكد توافق رئيس الجمهورية ميشال عون مع رئيس الحكومة، على ضرورة تطويق تداعيات الأزمة الخليجية مع لبنان، مؤكدةً إثر لقاء عون وميقاتي في قصر بعبدا أمس أنهما توافقا على “أهمية المبادرة باتجاه إعادة تصحيح العلاقات مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج العربي”، مع ارتكاز هذه المبادرة على نقطتين محوريتين باتجاه الحل “الأولى تنطلق من مبادرة وزير الإعلام إلى الاستقالة من دون استنزاف المزيد من الوقت، لقطع الطريق أمام دخول أطراف وقوى على خط تسعير التوتير في علاقة لبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي عموماً والسعودية خصوصاً، بينما النقطة الثانية تؤكد على وجوب عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد من دون إبطاء، بعدما تجاوزت التطورات مسألة الموقف من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وبعدما ثبت أن لا حل لأي اعتراض على تحقيقاته أو ارتياب بأدائه إلا عبر القضاء نفسه”.