كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
حتى “البالة” باتت لمن إستطاع اليها سبيلاً، لم تعد شعبية ولا “بي الفقير”، باتت للأثرياء حصراً، فأسعارها نار تجعل من الصعب على الفقير شراء كنزة كانت قبل الازمة الملعونة بـ2000 ليرة، باتت اليوم بـ100 الف ليرة، والأنكى أنها اشبه بالحالة اللبنانية، عتيقة وحالتها بالويل، “بس سعرا نار”.
لا تختلف أسواق “البالة” اليوم عن اسواق السياسة والاقتصاد والتجارة، هي اشبه بسوق مفتوح على ازمات الناس، بل بدت بمثابة مرآة للمواطن ليرى عوراته وحجم الفقر الذي طاله، لا يمكن فصلها بما تحتويه من ألبسة عتيقة واحذية مستعملة، عن واقع البلد الهش الذي تعاقب عليه الساسة والاحزاب من مختلف الطوائف والالوان، باعوه واشتروه عشرات آلاف المرات، ثم عرضوه للبيع في سوق “البالة” بعدما سرقوا خيراته وحجزوا أموال المودعين في المصارف وأنهارت على اثرها الليرة، وبات المازوت بالدولار والخبز يحلق مثل الناس.
أما الغلاء فحدث ولا حرج، وعلى حد قول شوشو رحمه الله، “الدنيا ما تغيرت، الشعب والسياسيين هني اللي تغيروا، وأدخلوا البلد في آتون النار”، رغم انشغال الاحزاب اليوم في البحث عن ادوات ومفاتيح انتخابية جاذبة، ولا يخفي احد ان من ابرز المفاتيح المطروحة الافراج عن أموال المودعين اقله فترة الانتخابات، كنوع من الجذب الانتخابي، والبعض يطرح نظرية تصحيح اجور الموظفين في الادارات العامة، اقله، لشهرين أو ثلاثة، ريثما تمر الانتخابات بسلام، ويرى في هذه الخطوة ـ إن حصلت طبعاًـ فرصة ذهبية لكسب الموظفين سيما إن قطفت الاحزاب هذا الانجاز، فلا غرابة إن سعت الاحزاب بكل ثقلها لتعزيز ارضيتها الشعبية، فهي تدرك جيداً أن قاعدتها مهزوزة، والناس “قرفانة” من سوء الحال والاحوال، بعدما قضمت الاحزاب ومن خلفهم حكومة الانقاذ اللا “إنقاذية” كل مقدراتهم، وباتت ابسط امنياتهم أن يناموا ويستقيظوا من دون فرمان رفع اسعار خبز من هنا، او مازوت من هناك، وحتى خضار من ناحية اخرى. امنية باتت اشبه بالمستحيل في بلد تقوده حكومة اختصاصها رفع الدعم، ورفع الاسعار تحت مسمى المصلحة الوطنية، ولكن أين مصلحة الشعب من كل ما يحصل؟ في خبر كان.
في الشارع سيارات ينبعث منها دخان المحرك المضروب، فيما اصحابها يخشون زيارة الميكانيكي لان الميزانية بالدولار، والسيارة تحتاج زيتاً وأقل كيلو زيت بـ200 الف ليرة، والبعض يبحث عن بطاريات مستعملة للبيع ليوصلها على لمبة ” فلورسان” ليضيء عتمة منزله بعد قطع الاشتراك، وصاحب اشتراك يهدد مشتركيه بالقطع في ما لو لم يسددوا فواتيرهم قبل السبت، وبلديات متعثرة عاجزة عن مواجهة ازمة نفايات فكيف بأزمات معيشية اخرى. كل ذلك يحصل والاحزاب تتفرج، بإنتظار خروج دخان الانتخابات لبدء حملة التلميع الموعودة، لاستمالة الناس بإعاشة من هنا، وفاتورة مستشفى من هناك.
وعلى سيرة المستشفيات فحدث ولا حرج عن السرقة، اذ تتطلب زيارة مريض “كورونا” دفع 25 الف ليرة مسبقاً بدل ثوب “كورونا” عن كل زيارة، فزيارة 6 اشخاص في اليوم لمريض تتطلب 125 الف ليرة، هذا من دون ذكر فاتورته الاستشفائية والتي تخطت الـ20 مليون ليرة، وطبعاً الضمان لا يغطي الفرق ولا حتى الوزارة فالأدوية والمستلزمات الطبية، وحتى الاكل كله بات على حساب المريض المعتر الذي ذنبه فقط أن “كورونا” طاله، وارقده في المستشفى وسط لهيب اسعاره الكاوية.
ولا ضير إن لجأ المواطن الى الزراعة ليصمد، ولكن حتى الزراعة باتت مثل واقع سياسة البلد “مش ظابطة”، وأصابها الغلاء ولعنة الدولار، والمزارع يتخبط كيف يؤمن البذار والادوية والمياه للري، فالمياه ايضاً مقطوعة عن القرى منذ فترة، بالكاد يراها المواطن، والنقلة سجلت ارتفاعاً خطيراً بلغ 180الف ليرة، تضاف الى سلة فواتير المواطن الكارثية، ما يجعل حياته بالية لا قيمة لها، والكل يرمي كرة النار على غيره ولكنها لا تحرق الا الشعب.