في كل مرة يستخدم لبنان المقبوض عليه إيرانياً كورقة ضغط في مفاوضات طهران، يشتدّ الخناق عليه ويتم تدفيعه الثمن. هذا واقع الحال راهنا، حيث يربط البعض الأزمة الدبلوماسية الجديدة مع دول الخليج، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية، بالمفاوضات الإيرانية – السعودية، وما تسرب من معلومات عن أن الرياض طالبت بوقف إطلاق النار في اليمن خلال اجتماعاتها مع مسؤولين ايرانيين في العراق، كخطوة حسن نية لتتم المفاوضات بعيداً من ضغط المواجهات الميدانية المسلّحة. وافقت إيران، لكن سرعان ما تم التصعيد العسكري في مأرب من قبل الحوثيين. وعزت طهران السبب الى إن القرار بيد “حزب الله” وعليهم التحدث معه. فهمت السعودية الرسالة، فجاء ردها في بيروت. وهي تطالب بموقف واضح من السلطة اللبنانية والالتزام بالحياد والنأي بالنفس ومنع مكونات محلية من التدخل في شؤون دول عربية أخرى.
تعليقاً، اعتبر العميد الركن خالد حماده عبر “المركزية” أنها “ليست المرة الأولى التي تتعثّر فيها المفاوضات بين السعودية وإيران. سبق وكانت هناك جولات عديدة من التفاوض قبل تسلّم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم خلال عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز ولم تصل إلى نتيجة. دائماً لا يتلمس الجانب السعودي أي رغبة إيرانية بوجود علاقات حسن جوار، لا سيما بعد الأدوار التي تلعبها الجمهورية الإسلامية سواء في اليمن أو في تهديد أمن الخليج أو عبر الخلايا الإرهابية التي سبق لها أن نفّذت أعمالاً في أكثر من دولة عربية. بالتالي، فان إطار المفاوضات دائماً ما يكون شكليا ولا ينتظر منه اي شيء، لذا لا يعلّق السعوديون عليه الآمال، كذلك فان الإيرانيون يعتبرونه نوعاً من متنفّس دولي لهم، ليقال إنهم لا يعارضون الحوار مع دول الجوار”.
من هنا، لم يول حمادة أهمية كبيرة لهذه المفاوضات، معتبراً أنها “تبدأ متعثّرة وتنتهي متعثّرة ودائماً ما تتوقف. كذلك، فهي لن تصل إلى أي نتيجة في ظلّ كل هذا التصعيد السياسي والميداني في المنطقة”.
بناءً عليه، لا يميل حمادة إلى الاستنتاج أن “الأزمة بين لبنان ودول الخليج مردّها إلى تعثّر المفاوضات هذه، حيث لم يكن الرهان عليها كبيرا في الأساس. أما طلب السعودية من الإيرانيين المساهمة أو فرض وقف إطلاق نار في اليمن فمعقول، لكن طلب إيران من المملكة مراجعة “حزب الله” في الموضوع قد لا يكون واقعياً. طبعاً، الحزب ليس نداً للمملكة والأخيرة تدرك أن قراره والحوثيين مرجعيّتهما في طهران وما من قرار مستقل لأي من فصائل الحرس الثوري الإيراني”.
ورأى حماده أن “الأزمة في لبنان أكثر من أزمة رد على تعثّر المفاوضات، فهي ولدت بعد تراكم مواقف سلبية عديدة تجاه الخليج تصاعدت بعد مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية ولا زالت وتأخذ أشكالاً ميدانية في اليمن وفي سوريا ومنها تدريب الخلايا لتنفيذ العمليات الإرهابية بالاضافة الى تهريب المخدّرات إلى دول الخليج لا سيما المملكة. بالنسبة لإيران، الأزمة الدبلوماسية الحالية تعني النجاح في محاولة سلخ لبنان عن المحيط العربي. أما الأزمة من المنظار السعودي فتبريرها إنه لا يمكن الإبقاء على هذه العلاقات مع لبنان في ظلّ تمركزه واصطفافه في المحور الإيراني”.
وفي ما خصّ استخدام إيران للبنان واليمن وأمن الملاحة البحرية كأوراق ضغط في المفاوضات سواء النووية أو السعودية، أكّد حماده أنها “شأن محسوم ومعروف. إيران تستعمل كل شيء في معركتها ضدّ المنطقة وفي مواجهتها مع الولايات المتحدة لتحسين شروطها في الاتفاق النووي أو لانتزاع اعتراف بدورها في أمن المنطقة”، معرباً عن اعتقاده بأن “أوراقاً إضافية ستوضع بتصرّف طهران في لبنان، ربما تكون الانتخابات النيابية إحداها أو حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة. لبنان في النفق وفي خضم كل هذا التأزم الإقليمي يفتقد كل أنواع المناعة والسيادة والاستقلالية في القرار السياسي، ولا شكّ أنه في قلب هذه الأوراق التي ستضاف إلى أمن الخليج وربما إلى مسائل أخرى في اليمن و العراق بعد فشل المحور الإيراني في الانتخابات الاخيرة. ومن الممكن أن تكون هناك أوراق إضافية كترسيم الحدود البحرية وسواها تستخدمها طهران في هذه المواجهة الدبلوماسية التي لا ندري إن كانت ستتحول إلى مواجهة ميدانية أو تبقى ضمن إطار الضغوط من كل صوب”.