كتب د. فادي كرم في نداء الوطن:
ليس بالصدفة حلّت جهنّم على اللّبنانيين، فلا كارثة بيئية أو مناخية غير مُنتظرة وقعت في جغرافيّة هذا البلد الآمن نسبياً من حوادث الطبيعة، ولا كوارث ذي طابع مالي وبورصيّ ضربت الإقتصاد اللّبناني المُتميّز بحيويّتِه، ولا وباء زراعياً ضرب المحصول السنوي فأتلف ما لم يُشكّل أصلاً نسبة عالية من المدخول الوطني، ولا إنخفاض حادّاً في إنتاج المواد الأولية إستجدّ فأثّر على الصناعات الوطنية، ولا حتى من إنهيار كارثي لمنجمٍ إستراتيجي حدث مؤخّراً. فما حلَّ فعلياً في لبنان وفجّر المآسي وأدّى إلى إنحلال القطاعات كافةً والخدمات العامة والمصالح الإقتصادية كان نتيجة طبيعية للسياسات المُعتمدة من قبل أفرقاء تحالفوا مع بعضهم البعض بهدف كسب السلطة بالطرق العنفية وغير القانونية فتمكّنوا من وضع أيادِيهم على جميع المؤسسات وطوّبوا لبنان للشيطان. أليس جهنّم بيت الشيطان؟؟؟
إن وطن الأرز الذي اعْتبر يوماً “جنّة العيش على الأرض” عندما تمنّت شعوب المنطقة الإقامة في ربوعِه والتملّك والإستثمار في أسواقه وشركاته، وعندما عشقَه الكثيرون من المواطنين المختلفي الجنسيات لسهولة العيش فيه ولكثرة النشاطات وتنوّعِها في نوادِيه ومسارحِه وجامعاتِه، قد سُحب من قبل حزبٍ رفع زوراً إسم الرب، وتياراً تبنّى كذباً شعار الإصلاح، وقد عاونهم على ذلك بعض المتخاذلين والمُستفيدين والمَخدوعين، سُحِبَ من واقعه الجميل، عن سابق تصوّر وتصميم وأُخذَ الى حظيرتهم الكامنة في ذلك المِحور، حيث يُحكمون هم فيه من ثورةٍ متخلّفة ويَحكمون هم فيه شعباً متمدّناً خلوقاً وناجحاً، وحيث يَنالون فيه الحماية على إجرامِهم وخطاياهم ويُقدِّمون فيه جهنّمهم للشعب اللبناني.
مهما تشاطر مسؤولو المنظومة ووزراؤها التسلوِيون، وأطلقوا كلاماً معسولاً وتذاكوا بإتّصالات صُورية وتباهوا بقدراتٍ علمية نظرية، فأيادي قادة المنظومة الوسخة وعقولهم الشيطانية وأخلاقيّاتهم الدّنيئة، تعمل بجهدٍ للبقاء في جهنّم، لأنه المكان الوحيد الذي يُلائم ويناسب عقولهم المريضة التي تمارس الإبتزاز مع الدول الصديقة للشعب اللبناني، علّهم ينالون منها أثمان فكّ أسر بعض شؤون الشعب.
مُعاناة الناس مَعونة لهم، فجهنّمهم ليس صدفة بل صناعة إبليسية، وآخر الإثباتات على ذلك أداء السلطة خلال الأزمة الديبلوماسية الأخيرة مع دول الخليج العربي، حيث راهنت على مبادرات الإستعطاف الفرنسية الأميركية للضغط على المملكة العربية السعودية للتخلّي عن موقفها الحاسم تجاه السلطة اللبنانية الحاكمة بإسم السيطرة الإيرانية للبنان، فراهنت المنظومة على رأفة الدول الصديقة للشعب اللبناني، لتُثبت بأدائها هذا أنّ جهنّم الذي يعيشه الشعب هو عن سابق تصوّر وتصميم فسحاً للمجال للمتاجرة بمآسيه، وهذه الذهنية أفقدتها المنظومة كل الصدقية فبات نقاشها يصلح به قول للمفكر والفيلسوف أندريه مالرو “أصعب ما في النّقاش ليس الدفاع عن وجهة نظرك، بل معرفتها”.
جاؤوا الى السلطة ليس لتأمين مصالح الناس كما إدّعوا، بل لضمان مصالح التّابعين لهم والحاشية القريبة التي تحميهم، فتخلّوا عن شعاراتهم الإصلاحية والإنفتاحية التي رفعوها سابقاً لإنجاح حملات الخداع، ولو كانت نيّتهم عكس ذلك، لَكانوا إستقالوا وغادروا لحظة الفشل توفيراً للعذابات على الناس. بقاؤهم بالرغم من كل الواقع السوداوي دليل دامغ على نيّتهم لإبقاء الشعب مسجوناً في جهنّمهم عن سابق تصوّر وتصميم.
“الأشرار لا يفهمون بالحقّ، والجاهلون يحتقرون الحكمة والأدب”. فهل يتحوّل صُنّاع جهنّم من ذاتهم الشرّيرة الى الخير، وهل يتخلّى الجهلة عن عاداتهم السيّئة عن سابق تصوّر وتصميم؟؟؟