كتبت ريتا بولس شهوان في نداء الوطن:
إجرام الدولة بحق المواطن، سيحثّ هذا الفقير على القضاء على الشجرة الوحيدة في حديقته ليتدفأ في فصل الشتاء، الذي حتى الساعة “يساير” المتقدمين في العمر. بين المدفأة على الحطب (المتعارف عليها بالصوبيا)، التي يسأل سليم (غوسطا) عمن يبيعها اليوم، باعتبار ان سعرها بالدولار والمدفأة (صوبيا) على المازوت، والتي لا يختلف سعرها ان كانت تحمل المواصفات نفسها، حسب احد المحال المتخصصة ببيعها، قد نفذت، عند اكتشاف هذه التسعيرة يفضل سليم الأغطية من الصوف، في احدى الغرف متوسطة الرطوبة.
هذا التواضع الذي يلامس حافة الفقر بوسائل التدفئة والذي يخجل اي لبناني من وضعه عند السؤال لأنه متروك لحاله، معمم على ابناء الجبل في كسروان، متن وجبيل والتي جالت “نداء الوطن” عليهم. الياس (دلبتا) مثله مثل عدد كبير من المواطنين لا يستوعب ولا يعرف بأي وسيلة سيتدفأ فحتى “النقلة” من وسيلة الى اخرى لها كلمتها لكنه يخبر عن تاريخ “الدفا” الذي اصبح بنظره من الماضي، كيف كان يتدفأ لاجئاً في وقت سابق الى الشوفاج المركزي، ولكن اليوم طن المازوت بـ 700 دولار فيذهب كل تركيزه الى فرشته وتكثيف الملابس وعندما “تزورهم” الكهرباء يشعّل “الدفاية” الكهربائية التي تخفت نارها مع الوقت، بعد انقطاع كهرباء الدولة التي تبقى فاتورتها اقل من المولد والمازوت سائلاً: من لديه القدرة الشرائية لتوفيره، هذا ان كان يمكن ايجاده؟ يستبعد الياس فكرة الحطب، فهو غير مستعد على المخاطرة لجز الشجر وقطعه اما توكيل هذه المهمة الى اليد العاملة التي اصبحت كلفتها مرتفعة كذلك الامر تعصى عليه، وقد يترتب على الامر محضر وغرامة من القوى الأمنية باعتبار انه للوصول الى الاشجار، يجب العودة الى الاحراج، وبرأيه لا يستحق الامر المخاطرة بالاعتداء على احراج الآخرين.
هذا ليس كل شيء بالنسبة الى الحطب اذ ان الحصول على الاذن من الإدارة الرسمية المختصة في جونية (قرب المرفأ) سيمتد على كل فصل الشتاء. في السنوات السابقة لم ترفع زوجته الصلوات ليكون فصل الشتاء رحوماً على عظام اولاده فكانت لديه القدرة على اشعال النار. اما هذا العام “لا الشغل ماشي، ولا مازوت”. نغمة الرواتب المنحدرة التي هي واقع مشترك بين اللبنانيين ينغص يوم ماري (غينة) التي تتحضر لمواجهة مرحلة الثلوج قائلة: “رواتبنا باللبناني، والمازوت بالدولار، لذا الحطب هو الحل الوحيد، وهو متوفر في الجبل حولنا لذا يمكن القطع بدون أي مشكل”. والمشكل هنا متوقف على سلطة الدولة التي تقتصد بالرقابة كما تقتصد كريستين (غبالة) وزوجها بالمصروف مستبدلة قدرة “الشوفاج” سابقاً بتدفئة كل المنزل، بالدفايات الصغيرة لحماية جلد الاطفال الذين سيتأثرون بالحرارة التي تتراوح بين الـ 5 درجات الى 10 درجات المترافقة مع الثلوج متمنية ان ينعم الله عليهم بفصل اقل ضراوة.
بين مُطوّلة “اللا أدريات” وتعداد ادوات التدفئة، الحطب ليس برخيص، فهو يحتسب بالمتر المكعّب، وقدره مليونا ليرة. وبالنسبة الى المناطق الجبلية يحتاج المنزل الى 12 متراً، اي 24 مليون ليرة لبنانية للتدفئة. هكذا لا يفكر عبدالله الساكن بين الخنشارة التي تعلو عن البحر بنسبة 1100 متر والجميزة، باتخاذ الحطب وسيلة، مكملاً على نهجه القديم اي المازوت فيختار بين التنكة بـ 15 دولاراً او دواء للرشح عندما يمضي يومان اسبوعياً في ضيعته. في حساباته هذا الموسم سيكون مكلفاً لذا سيستبدل مصروفه الذي ينحدر من تمويل الكماليات الى الاساسيات والتدفئة منها التي تمتد في موجة البرد الى نحو 3 اشهر ياتي فيها الشتاء قاسياً بين المنطقتين. هذا الرجل، ما زال جسده يتحمّل قساوة الطقس، عكس فاديا (كفرذبيان) التي تعيش مع زوجها الذي يناهز عمره الثمانين وتتكل على رأفة اولادها بتمويل نيران المدفأة الكهربائية، وهي هديتهم اليها، التي ستردّ البرد عن زوجها الذي قد لا يتحمل جسده الثلوج، مطالبة الدولة بحل معضلة “العجزة” وتأمين الشيخوخة. وعند سؤالها عن مساعدة البلدية قالت: “قدرة البلدية محدودة وفي السابق، كانت تساعد الارامل بتنكة مازوت سنوياً”.
يتناقل هذه الصرخة المتقدمون في العمر في جبيل ايضاً فمايا (عاقورة) تعيش مع زوجها العجوز ايضاً تركن الى مساعدة اولادها الذين هم من العمال في احد المصانع، تدعو لهم ان يستمروا في عملهم ليؤمنوا لهم فاتورة الكهرباء وقد يلجأون الى قمة التواضع “الفحم” الذي قد يودي بحياة الزوج اختناقاً. ايلي (بسكنتا) يستبعد فكرة “الفحم” الذي لا يرد البرد، لافتاً الى ان الحطب يتساوى سعره بالمازوت لذا حسب تقديره كل راتبه سنوياً لا يكفيه لفصل الشتاء.
قساوة الاوضاع على اللبنانيين تضحكهم وتبكيهم، فتدفع ميشال (بتغرين) الى القاء نكتة عند سؤاله عن وضعه غامزاً الى انه “سيشتري اكياس مياه ساخنة، كما كان يفعل اهله” على سبيل الفكاهة، سائلاً: لكن لا نعرف كيف سنسخّن المياه ان كان الغاز سعره مرتفعاً؟ مشيراً الى ان الهم على اكتاف كل مواطن لبناني فلكل منا مسؤوليات عائلته الكبرى ويقصد امه ووالده، والذين هم من العجائز.
هكذا مع تساوي الغاز، الحطب، المازوت، قد يلجأ المواطن الى التحايل على القانون، وهذا امر طبيعي، نتيجة الحاجة، لذا سألت “نداء الوطن” مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند جورج متري عن الرخص وحدد ان أي شجرة تقطع وتعتبر من الاشجار الحرجية تحتاج رخصة، حتى لو كانت تقع ضمن املاك خاصة، وهذه الرخصة من مهمات وزارة الزراعة التي تتابع المسائل عبر ماموري الاحراج وبعد الموافقة وحسب الكمية المسموح بها يقطع. هذه الاشجار الحرجية على حد توصيفه حتى تشحيلها يتطلب الى اذن وان كانت عملية التنظيف مخالفة للقانون يتم ايقاف هذه الاعمال. اما الاشجار التي تشحل وهي من ضمن الاعمال الزراعية أمر مشروع.
يحدد متري مسؤولية حماية الاحراج بانها من مهمات وزارة الزراعة الا ان كانت هذه الاشجار تقع ضمن محمية طبيعية وهي تقع ضمن سلطة وزارة البيئة. لذا ان كان قلب الدولة على الحجر، وويل البشر من الفقر والبرد، من يرد عن الثروة الحرجية، في ظل الغلاء الذي اكل الاخضر واليابس.