كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن:
تمر الأيام في منطقة قضاء زحلة، برتابة سياسية غير معهودة على أبواب إنتخابات نيابية يفترض أنها حاصلة بعد أشهر قليلة فقط. ولولا لقاءات سطحية تتعمد بعض الأطراف تظهيرها الى العلن لتلبيسها مضامين إنتخابية، تكاد الساحة تكون خالية من أي تحرك إنتخابي في منطقة زحلة ودائرتها.
الكل في المنطقة بحالة ترقب. أولا لأن الشكوك باتت تحوم حول إمكانية إجراء هذه الإنتخابات فعلياً، وخصوصاً بعد تلبد الحالة السياسية المحيطة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي يفترض أن تجري هذه الإنتخابات. وثانياً لكون زحلة لم تعد صاحبة القرار في تشكيل لوائحها الإنتخابية. بل إن تحالفاتها النيابية رهن التسويات الإنتخابية الحاصلة على مستوى مركزية الأحزاب، والتي ستنسحب حتماً على مقاعد الدائرة السبعة الموزعة على ست طوائف رئيسية. منذ إنتخابات ما بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان، فقدت زحلة خصوصية لطالما تمسكت بها، وهي أن تخرج لوائحها الإنتخابية من بيوتاتها السياسية. أبرز هذه البيوتات كانت لعائلة سكاف الراسخة في التاريخ السياسي لمدينة زحلة، قبل أن ينبت لاحقاً بيت فتوش السياسي بإرادة “الوجود” السوري في لبنان. والبيتان وإن لم يكونا صانعي القرار، ومقرري اللوائح ومحددي تحالفاتها، إلا أن خروج اللوائح الإنتخابية منهما كان أساسياً في منحها شرعية سياسية في عاصمة الكثلكة. وهو ما حصر التنافس على اللوائح الإنتخابية بينهما، حتى في عز تحالفاتهما السياسية المفروضة بقوة الأمر الواقع خلال الإحتلال السوري للبنان.
الإنتخابات النيابية المقبلة إذا حصلت، ستكون أكثر تحرراً من هذه الخصوصية، بعدما سهل غياب رمزي هذين البيتين، أي النائب السابق الياس سكاف رئيس “الكتلة الشعبية” المحبوب، وبيار فتوش ممول ومقرر السلطة السياسية لآل فتوش، تمدد الأحزاب المركزية العمودي بإتجاه زحلة وقضائها، ونجاحها بالتالي في خلق حيثية وجودية تغلبت على العائلات، ولم تعد بحاجة لغطائها المحلي لكسب شرعيتها. بل بات الحفاظ على البيوتات السياسية في زحلة، مقروناً بتحالفاتها مع هذه الأحزاب، خصوصاً أنها لم تنجح خلال أربع سنوات من ولاية غابت فيها كلياً عن الساحة السياسية للمدينة، بخلق حالة مواجهة فعلية للطبقة السياسية الحاكمة حالياً. بصرف النظر عن محاولات بعضها التلطي خلف الحالة الشعبية الإعتراضية، ومحاولاتها ركوب الموجة لتقديم نفسها كجزء من هذه الحالة.
هذا الواقع يؤلم جزءاً كبيراً من الزحليين، الذي يعتبرون أن “المدينة ودائرتها” فقدت صوتها في الندوة البرلمانية، مقابل إنعدام تأثيرها في الكتل النيابية التي تشتت صوتها على طاولاتها. ما حرم الدائرة، وفقاً لهؤلاء، من أبسط المتابعات لقضاياها، وجعلها ملحقاً بمواقف سياسية قد لا تخدم مصلحة الدائرة المحكومة بالإنقسام السياسي بين معسكري 8 و14 آذار. والإنقسام بين المعسكرين يتعمق مجدداً في دائرة قضاء زحلة قبيل إنتخابات نيابية مفترضة، إثر تفجر أزمة الحكومة الحالية مع دول الخليج، وما رافقها من كلام تجييشي من شأنه فرز المجتمع البقاعي وخصوصاً في دائرة زحلة، بين من هم مؤيدون لإيران ومحاولتها الهيمنة على القرار السياسي اللبناني، ومن يتمسكون بعلاقة لبنان مع أشقائه العرب وخصوصاً مع دول الخليج العربي والسعودية. والأزمة التي تسبب بها وزير الإعلام مع الخليج، أعادت رص الصفوف في المعسكرين، لتزيد في تعزيز دور الاحزاب على حساب عائلات زحلة السياسية.
وإذا ما بقيت المعطيات السياسية خلال الأشهر المقبلة على حالها، فإن رأسي حربة المعركة الإنتخابية المقبلة في دائرة زحلة سيكونان: “القوات اللبنانية” التي بلورت مواقفها الأخيرة شعبية أوسع في صفوف مسيحيي الدائرة، مع قدرة على إستمالة الشارع السنّي الضائع في فراغ سياسي منذ إستقالة الرئيس سعد الحريري إثر إنطلاق ثورة 17 تشرين 2019، وبين “حزب الله” الذي تجرّد سياسته حليفه المسيحي من القدرة على إستمالة غير المحازبين، بمقابل الحفاظ على قاعدته الشيعية المرصوصة.
ومن شأن ذلك إحباط المحاولات التي تجريها بعض القوى الموجودة في زحلة لخلق حالة زحلية سياسية مستقلة عن الأحزاب وعن العائلات معاً، هدفها تأمين كتلة سياسية نيابية زحلية، تكون قراراتها منبثقة من حاجات المنطقة وتراعي مصالحها في الحفاظ على النسيج الإجتماعي المتنوع. في القنوات غير الرسمية، الحديث مستمر عن محاولة لجمع قوى سياسية وإجتماعية وازنة ومستقلة عن الأحزاب، وتعمل على إستعادة صوت القضاء المخطوف برأيها من الأحزاب. بالنسبة لهذه القوى، فإن زحلة اعطت الأحزاب ولكنها لم تأخذ منها شيئاً. فبقيت الأولويات بالنسبة لهذه الاحزاب في معاقلها السياسية التي تحدد هويتها. فـ”القوات” اولويتها معراب، و”التيار” أولويته جبل لبنان، و”الكتائب” المتن، و”المستقبل” بيروت، و”الثنائي الشيعي” الجنوب وربما بعلبك، فيما زحلة ليست أولوية لدى اي من هذه الأحزاب. وهذا الخطاب الرئيسي الذي سيركز عليه هذا التجمّع، متى خرج الى الأضواء، علماً أن التأخر بعملية تظهير شخصياته عملياً، يعزز مكانة الأحزاب الماضية بلعبة شدّ العصب لدى قواعدها، وصولاً الى الهيمنة مجدداً على صوت الناخب الصامت في زحلة.
وتعزيز مكانة الأحزاب إنطلاقاً من سياسة شد العصب، من شأنه وفقاً لمتابعين للشأن الزحلي، إلغاء عامل المفاجآت الذي تميزت به دائرة زحلة في دوراتها الإنتخابية الماضية، وتبديد صوت الناخب الأكبر الذي يمثله الناخب الصامت، المسؤول عن معظم المفاجآت الإنتخابية التي فجّرتها زحلة في ثلاث دورات إنتخابية متتالية. لتصبح الصورة شبه محسومة حتى بالنسبة لحصص الأحزاب من القواعد الإنتخابية في الدائرة. ما يعني إنتاج السلطة نفسها على المستوى المركزي وإن بأحجام متفاوتة، تحدّدها المعطيات السياسية على المستوى المركزي وليس على مستوى كل دائرة إنتخابية.