تحت “أزيز” التصريحات النارية التي أطلقها “حزب الله” في استقبال الوفد العربي راسماً له سقوف المقبول والمرفوض في معالجة أزمة لبنان مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، جال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي على المقرات الرئاسية الثلاثة، ناصحاً ومستكشفاً النوايا اللبنانية إزاء سبل معالجة الأزمة والحؤول دون تفاقم تعقيداتها، فجاءت حصيلة مشاوراته لتعكس صورة الدولة المكبّلة والعاجزة عن ترجمة “نواياها الحسنة” إزاء العرب، ولتكرّس بالتالي نظرة السعودية إلى لبنان الرسمي بوصفه بات “ساقطاً” بحكومته ومؤسساته الشرعية تحت سطوة “حزب الله”.
وبهذا المعنى، اختصرت مصادر مواكبة لنتائج الزيارة العربية صورة المشهد بالإشارة إلى كونها أتت بمثابة “زيارة خاطفة لطائرة مخطوفة لا حول ولا قوة لقبطانها في تحديد وجهة سيرها”، موضحةً أنّ “كل مجريات النقاشات اللبنانية مع الموفد العربي بيّنت بالملموس وجود إجماع رئاسي على ضرورة استقالة الوزير جورج قرداحي، باعتبارها نقطة البداية نحو تطويق ذيول الأزمة مع الرياض ودول الخليج العربي، غير أنّ القرار النهائي بالإفراج عن ورقة الاستقالة من عدمه يبقى حصراً بيد “حزب الله” ولا تملك الحكومة أن تتخطاه أو تتجاوز خطوطه الحمر”… وهي خطوط رسمها أمس “الحزب” بالخط العريض حين أعاد التأكيد على لسان النائب حسن فضل الله على رفض استقالة قرادحي أو مجرد التفكير بوضع إقالته على جدول أعمال مجلس الوزراء.
وفي حين حرص الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية على تبديد سيل الشائعات التي رافقت أجواء زيارته اللبنانية وهدفت إلى التشويش عليها، نفى السفير زكي ما أشيع عن كونه حمل معه مطلباً سعودياً وخليجياً بإقالة وزير الإعلام، مؤكداً لـ”نداء الوطن” أنه زار بيروت “بناءً على طلب الأمين العام لجامعة الدول العربية لطرح استعداد الجامعة العربية، للمساعدة في حل الخلاف بين لبنان والدول العربية الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية”.
وفي هذا الصدد، شددت مصادر ديبلوماسية مواكبة للزيارة على أنه “من بديهيات حل الأزمة اللبنانية – العربية أن يبادر لبنان نفسه نحو اتخاذ الخطوة الأولى تجاه أشقائه إذا كان راغباً فعلاً بترتيب العلاقات مجدداً”، موضحةً أنّ زكي لم يحمل معه مبادرة “إنما كانت زيارته استكشافية لموقف المسؤولين اللبنانيين، فسمع من الرؤساء الثلاثة حرصهم الصريح على حل الخلاف مع السعودية ودول الخليج وتأكيدهم على أنهم على دراية بالمخرج اللازم لتطويق الخلاف، لكن تطبيقه لا يزال متعذراً تحت وطأة اعتراض “حزب الله” على استقالة قرداحي”، وأضافت: “صحيح أنّ السفير زكي عبّر صراحةً عن رؤيته الشخصية لسبل معالجة الأزمة بدايةً عبر استقالة قرداحي، لكنه لم يحمل أي مطلب عربي بهذا الخصوص ولا دعا كما أشيع إعلامياً إلى انعقاد مجلس الوزراء لإقالته مع احتفاظ “حزب الله” بحق التصويت ضد الإقالة”.
أما على الجانب اللبناني من تقييم نتائج زيارة الوفد العربي، فأكدت مصادر سياسية أنّ زكي سمع من الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي “موقفاً موحداً لا يحتمل التأويل بوجوب مغادرة قرداحي الحكومة، لكن مع الإشارة في الوقت عينه إلى وجود اشكالية دستورية تحول دون إقالته لاعتبارات تتصل بالحاجة إلى أغلبية الثلثين في مجلس الوزراء لاتخاذ هذا القرار”، معتبرةً أنّ حصيلة المشاورات العربية في بيروت أمس استطاعت عملياً “تجريد قرداحي من أي حصانة رئاسية وحصرت غطاءه بـ”حزب الله”، الذي لا يزال متمسكاً ببقائه في الحكومة لكن مع هامش مناورة أضيق من ذي قبل”. وفي المقابل، نقلت المصادر أنّ زكي حمل معه “جرعة دعم” لاستمرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي “لكن من دون وجود أي ضمانات بمسار سعودي مختلف في التعاطي معها”.