كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
متى تُطلق الرصاصة الشعبية في صدر الدولة؟ ومن بيده مفتاح تحريك الناس نحو رفض الانصياع لسياسة تجويعهم المحكمة؟
بالطبع لا إجابة واضحة، رغم أن كل المؤشرات الحياتية تنذر بكارثة إنسانية، بيد أنه من العجب أن احداً لا يهتم، بل اتخذ لنفسه موقع المتفرج لا اكثر، وقف أمام المصارف لأشهر طويلة يتأمل امواله المنهوبة، ولم يفعل شيئا بل استسلم واعتاد على سرقة تعبه.
على مر السنوات الماضية، إتصف الشعب اللبناني بأنه خمول وإتكالي، حين خرجت ثورة 17 تشرين قبل عامين إعتقد البعض ان التغيير الحقيقي دنا، وان إزالة سوسة الفساد من هرمية الدولة اقتربت، غير أن ما حصل عكس التوقعات، إنسحب الشعب الى خلف الشاشات، ظل متفرجاً على مسرحية سرقته وتنويمه، فهو اعتاد أن يساق كالقطيع ويمنع عليه التعبير والافصاح عن رأيه، فأغلبية الناس تخشى على وظيفتها، اذ تمسك الاحزاب بمعظمهم على ” إيدهم اللي بتوجعهم” لقمة عيشهم، فتعاقبهم بها، وهذا إن دلّ على شيء فيدل على السياسة الاقطاعية الحديثة التي تمارس بأساليب حضارية جداً، عكس اقطاعية الاسعد قديماً، حيث كان ممنوعاً على الشعب التفكير بالتعليم طالما “أحمد بك عم يتعلم”، وممنوع على المزارعين آنذاك التفكير بالمطالبة بحقهم ورفض مصادرة محاصيلهم لصالح البك “بيغضب البك وبيحرمنا الغلة”. اليوم يمارس الاقطاع الترهيبي على الناس بأسلوب مبتكر، فالحكومة برمتها اقطاعية تمارس سياسة الغلاء والتجويع، والناس مخدرون يقرأون قرارات الغلاء، يصابون بالصدمة، ثم يشربون كوب قهوة او شاي وتهدأ أعصابهم ويمضون في حياتهم، وكأن لا رفع اسعار حصل ولا ربطة خبز مهددة بالحرمان منها.
اليوم تستعد المنطقة لخوض معركة إنتخابية جديدة كان يمكن أن تحدث فرقاً لو استطاعت المعارضة تشكيل لوبي ضاغط، بل تحولت سلسلة معارضات، حتى انها لم تستطع التأثير في قرارات اتحاد بلديات الشقيف لحل ازمة النفايات التي انفجرت مجدداً من بوابة إشعال مكب المروانية، ما فتح الباب على ازمة المكبات العشوائية المنتشرة في القرى، والتي تشكل بركاناً متأججاً سينفجر في أي لحظة، سيما وأن معظم المكبات مشتعلة حالياً، لأسباب عدة من بينها تهريب النفايات التي تشكل مورد رزق اضافياً للبلديات المتعثرة انمائياً وخدماتياً، غير أنها ستكون حتماً في خدمة الانتخابات النيابية، وستفتح صناديقها الموصدة امام الخدمات الاجتماعية لمساعدة الناس المحتاجة، للحملات الانتخابية للنواب، تحت أبواب وفروع متعددة، فالبلديات بإمرة الاحزاب وهي التي تقرر عنها، قليلة هي البلديات المستقلة بخياراتها، فيما الاغلبية والتي يديرها رؤساء غير أكفاء، متعثرة، حتى أنها تقف عاجزة أمام مشكلة المياه في البلدات فكيف ستواجه ازمة نفايات سياسية بامتياز، اذ لم يستطع الاتحاد فك الارتباط الحزبي لقرار الجمع والفرز.
وبقي الموضوع عالقاً عند مناقصة جمع وطمر النفايات المتوقفة منذ سنتين تقريباً، بسبب سوء ادارة الملف من قبل الاحزاب، وما اشتعال مكب المروانية الا نتيجة حتمية للفساد الاداري للبلديات التي لم تتقدم خطوة باتجاه الحل، ولم تتعلم من تجربة ماليزيا ولا كوريا ولا الصين ولا الدول المتقدمة بتحويل النفايات الى طاقة، بل بقيت تقليدية الخيارات، حتى الفرز من المصدر لم يطرق باب معظم البلديات، رغم ان النفايات اليوم عرضة للسرقة من قبل اللبنانيين والسوريين على حد سواء، يشفطون منها المواد الصلبة التي تعد ثروة وطنية، ويبقون على المواد العضوية التي تحتاج طمراً في الطرقات، والبلديات تنقلها الى مكبات عشوائية، تقع بمعظمها فوق مجاري المياه او على مقربة من الاحراج، بدلا من نقلها الى مطمر صحي يجرى التوافق عليه بين الاحزاب داخل اتحاد بلديات الشقيف لحل الاشكالية، ولكن “دق المي مي”، فالعناد السياسي وغياب الرؤية التنموية، اوصل القرى الى ان تصبح كتلة دخانية نتيجة انبعاث الروائح والدخان المسرطن من مكب المروانية الذي وصل الى تخوم النبطية،
مع ما يحمله من تلوث وخطر على صحة الناس الذين رفعوا الصوت لايجاد حل، ولكن “لا تندهي ما في حدا” فالنواب غائبون، والبلديات غارقة في سباتها، والاتحاد في خبر كان، والاحزاب غير مهتمة، والنتيجة مكب مشتعل منذ ليل السبت الاحد، ضباب سامّ يلف القرى والبلدات من المصيلح حتى النبطية، وفي المحصلة الامراض تهدد صحة الناس المهددة حاليا بـ”كورونا” وفقدان الادوية وارتفاع كلفة الطبابة وغياب الضمان والوزارة، ما يعني أن الكارثة البيئية وقعت وحتماً مفاعيلها ستكون خطيرة مع استمرار انبعاث ثاني اوكسيد الكربون من المكب المشتعل وما ادراك ما عواقبه، فهل تتحرك وزارة البيئة لتضع يدها على الملف وتعالجه؟