جاء في المركزية:
بعد أن هشّمت المنظومة السياسية المتحكمة بالبلاد والعباد كلّ ما يمكن ان يدل على وجود “دولة” في لبنان، فضربت المؤسسات الدستورية تباعا ودجّنتها، وفتكت بالاقتصاد والمال والكهرباء والاستشفاء والتعليم، وعزلت بيروت عن محيطها ووضعتها في قطيعة مع كل العالم باستثناء ايران ومَن يدور في فلكها، لم يبق في وجهها الا الجيش والقضاء صامدين. المؤسسة العسكرية لا تزال عصيّة على محاولات الكسر والتخوين، الا ان الجسم القضائي بدأ يتأثّر باللوثة السياسية التي بات القلق جديا من امكانية ان “تلقَحَه”، ومصدرُ الفيروس: رفضُ اهل السلطة المسار الذي تسلكه التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
هذا الرفض انعكس “هيستيريا” في دعاوى رد المحقق العدلي الناظر في القضية القاضي طارق البيطار، التي يتقدّم بها المستدعون، وقد باتت تُعدّ بالعشرات منذ ايام، وهدفُها كلّها: ازاحة البيطار. لهذا الغرض، قرّر بعض القضاة المحسوبين على هذه القوى السياسية، خرقَ القانون وتجاوزَ صلاحياتهم، والفتح على حسابهم واعطاء انفسهم صلاحيات ليست لهم، ما عزّز الفوضى في قصر العدل. لكن ما يجب الا ننساه، تتابع المصادر، هو ان هذه “الهمروجة” كلّها بدأت بعد ان زار مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا قصر العدل طالبا نقل البيطار، قبل ان ينقل اليه رسالة عبر صحافيين فحواها “منعرف كيف نقبعه” في تهديد واضح وصريح عاد وأكد حصولَه المحققُ العدلي، ولم ينفه اي من مسؤولي الحزب، بل يبدو تقصّد ايصاله الى كل “مَن يشدّ على مشدّ” البيطار، علّه “يتأدّب ويقعد عاقل”!
امام هول الجريمة التي تُرتكَب بحق القضاء لطمس معالم جريمة 4 آب، حيث دعا نادي القضاة السياسيين اليوم الى “رفع أيديهم” عنه، وفيما حضرت مجموعات نسائية الى باب مكتب القاضي حبيب مزهر، المحسوب على الثنائي الشيعي”، منتقدة السماح لنفسه بالنظر في ملفّ لم يرفع اليه حيث قرر بنفسه منذ ايام، اصدار قرار بكف يد البيطار عن تحقيقات المرفأ، كان لوزير العدل هنري خوري اليوم بيان لافت لناحية توقيته و”ضعف” مضمونه.
فقد حذر من تحويل قضية انفجار المرفأ – القضية الوطنية – إلى “دراما قضائية” مسرحها مبنى قصر العدل. وأسف لخرق حرمة قصر العدل وأروقته الامر الذي لم يشهده لبنان من قبل. وشدد خوري على وجوب أن يبقى هذا القصر ملاذا آمنا للقضاة والمحامين والمتقاضين يمارسون فيه رسالتهم وواجباتهم بعيدا عن اي ضغوطات مهما كانت… وحذر من تصنيف القضاة فرقا مشتتة ومن تحويلهم الى قضية وطنية للدفاع عنهم او الذم بهم، لان ذلك لن يؤدي الى تحقيق العدل والعدالة.
المصادر تسأل هنا عن سبب عدم إصدار وزير العدل موقفا يأسف فيه لخرق حرمة قصر العدل حين اقتحمه وفيق صفا مهددا ومتوعدا، وعن صمته منذ ايام عن سلوك القاضي مزهر وخرقه اصول العمل القضائي. ومع ان لا صلاحيات لوزير العدل في التدخل لصالح هذا الفريق او ذاك في الاشتباك الحاصل، الا ان المصادر تلفت الى ان وقوفه بوضوح لا برمادية، في “الموقف” أقلّه، الى جانب الحقّ وضد مَن يريدون قتلَه، في الجسم القضائي وخارجه، مطلوبٌ في هذا الظرف الدقيق تحديدا.
فالحديثُ بالعموميات وبضبابية، ومساواةُ قضاةٍ يشهد العالم لمناقبيتهم ونزاهتهم، بآخَرين يُعتبَرون “ودائع” سياسية في القضاء، لا يفيد الا “الباطل”، تختم المصادر.