أمكن رصد تطورات ومواقف متلاحقة في الآونة الأخيرة على الساحة السنية تؤشر الى وجود تحول في المزاج الشعبي العام وفي الموقف السياسي، وتحديدا لناحيتين: الموقف من حزب الله، وكيفية مقاربة الملفات والأزمات والأوضاع الراهنة. ومن هذه المؤشرات:
1 – التوجه عند تيار المستقبل الى مغادرة مرحلة ربط النزاع مع حزب الله وطي صفحة المهادنة السياسية، والتحول إلى مرحلة جديدة عنوانها المواجهة السياسية معه ورفع درجة الضغوط عليه، وسط وضع داخلي لم يعد يطاق. وهذا التوجه الذي لم يتبلور في أشكاله الواضحة والنهائية عند الرئيس سعد الحريري، يتفادى ربط المواجهة بأي صراعات إقليمية، ويبدي حذرا إزاء مشاريع جبهوية جديدة وإحياء تحالفات سابقة.
2 – ارتفاع الأصوات المطالبة باستقالة الرئيس نجيب ميقاتي في حال لم ينجح في حل الأزمة مع السعودية وعلى أساس أن تكون استقالة الوزير جورج قرادحي مدخلا الى هذا الحل، وإذا لم يستطع فك أسر حكومته المعطلة والمتوقفة عن الانعقاد والواقعة تحت شروط ونفوذ حزب الله. وبالتالي، فإن الضغوط على ميقاتي تزداد كي يستقيل ولا تبقى حكومته واجهة وغطاء لحزب الله.
3 – المطالبة بقيام جبهة وطنية معارضة وإحداث حالة فرز على أساس وطني بين حكم يتحمل مسؤوليته حزب الله وحلفاؤه، ومعارضة تسعى الى الحد من سيطرة حزب الله وسطوته. فها هو الرئيس فؤاد السنيورة يدعو الى قيام «منصة وطنية شاملة يحتاجها البلد كإطار أوسع من نادي رؤساء الحكومات». وها هو النائب السابق مصطفى علوش يطالب «بتجميع القوى التي صنعت 14 آذار مع كلام واضح لا رمادية فيه، وفي معارضة لا تغريها المشاركة في فتات السلطة وأوهام الريعية تحت شعار مقيت عنوانه التوازن الوطني وحكومات الوحدة». وها هو د.رضوان السيد ينضم الى صديقه النائب فارس سعيد في المطالبة بقيام «مجلس وطني استقلالي وسيادي» بعدما ضاقت المرحلة على حركة المبادرة الوطنية ولقاء سيدة الجبل (يرأسهما السيد وسعيد).
4 – إدخال تعديلات على الموقف في ملف تحقيقات المرفأ والتحقيق العدلي، ليصبح أكثر توازنا ويستقر على النحو التالي: التمسك ببقاء القاضي طارق بيطار في مركزه ومهمته، والتشديد في المقابل على تصويب مساره ومنهجيته في التحقيق، بحيث لا يعود هناك من ثغرات ومخالفات للدستور والقوانين.
5 – توسيع نطاق الخطاب السياسي والحملة المعارضة، بحيث انها لا تعود مركزة على الملفات الاقتصادية والاجتماعية على أهميتها وإنما تتجاوزها الى المسائل والعناوين الوطنية.. وبحيث ان المعركة الوطنية لا تعود مقتصرة على شؤون وملفات داخلية وإنما تتجاوزها إلى موقع لبنان ودوره وعلاقاته، وتهدف الى إعادته الى الحضن العربي وترميم علاقاته المتصدعة مع السعودية ودول الخليج. وبالتالي، يكون للمعركة السياسية الراهنة بعد إقليمي وتدور تحت عنوان أي لبنان يكون بين الخيارين العربي والإيراني؟!
هذا التحول السني في بداياته ومؤشراته الأولية كان بدأ يتكون منذ سنتين، وتحديدا منذ انتفاضة 17 تشرين واستقالة الرئيس سعد الحريري والإتيان بحكومة حسان دياب التي اعتبرت حكومة اللون الواحد ومن دون رضا وتغطية القيادات والمراجع السنية، ثم لاحقا خروج الحريري من رئاسة الحكومة بعد 9 أشهر من التكليف الذي انتهى إلى فشل وخيبة.. ليخسر الثنائي الشيعي بخروج الحريري شريكا معلنا وحليفا ضمنيا قادرا على توفير أكبر تغطية ممكنة بأقل كلفة.
والتحول الأبرز في المناخ السني لم يحصل إثر اندلاع اشتباك خلدة العرضي والعابر رغم ما انطوى عليه من حساسيات مذهبية مناطقية، وإنما حصل إثر تفجر الأزمة مع المملكة السعودية التي قالت صراحة إنها أزمة مع حزب الله، وأزمة وقوع الحكم والنظام السياسي في لبنان تحت سيطرته ونفوذه. ولم تكن فيها تصريحات قرداحي إلا الصاعق المتفجر أو النقطة التي طفح بها الكيل. وفي هذه الأزمة جاء موقف حزب الله قاطعا وحازما لجهة رفض استقالة قرداحي ووصل به الأمر إلى حد تحميل السعودية مسؤولية الأزمة، ومطالبتها بالاعتذار من الشعب اللبناني. وهو ما شكل استفزازا إضافيا للسعودية وتعميقا للأزمة معها، وأيضا استفز الطائفة السنية في لبنان التي تعطي أولوية لعلاقة لبنان مع الدول العربية، وخصوصا مع السعودية، وتطمح الى استعادة هذه العلاقة وتطويرها وإبعادها عن أزمات وحروب المنطقة وأولاها حرب اليمن، وإبعاد لبنان عن الصراعات الإقليمية.