كتبت كارول سلوم في “اللواء”:
بات واضحاً ومن دون أي تفسير أو تحليل أن ثمة شيئا ما اهتز في علاقة التيار الوطني الحر بحزب الله. فالطرفان الحليفان شهدا بعض الأحداث والتطورات التي أظهرت هذا الاهتزاز. ولم تعكس بعض المواقف الصادرة عنهما إلا هذا الواقع وما قبلها، التعاطي الذي سلكه الفريقان في بعض القضايا.
في السابق كان يقال أن تفاهم مار مخايل يصعب خرقه وإنه مهما برزت التباينات بين التيارين الأصفر والبرتقالي كانت الوساطات وفاعلو الخير يتقدمون لمعالجتها. وحتى عندما انتقلت رئاسة التيار الوطني الحر إلى النائب جبران باسيل كان باسيل نفسه يجاهر وفي اكثر من مناسبة بأن التفاهم بحاجة إلى إعادة درس لاسيما حول بعض النقاط التي لم يتم الالتزام بها.ومؤخرا جاء كلام النائب آلان عون حول ما حصل في عين الرمانة وكذلك في مسألة المحقق العدلي القاضي طارق بيطار ليقدم دليلا على التباين بين الفريقين.
ليس خافيا على احد أن التفاهم ترك انعكاساته على مراحل العلاقة بينهما بدءا من عودة الاطمئنان إلى النفوس في المناطق المسيحية والتضامن الوطني خلال العدوان الإسرائيلي في العام 2006 مرورا بدعم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وصولا إلى المواضيع الاستراتيجية التي أوردها نص تفاهم مار ميخايل.
على أن ما يجدر التوقف عنده هو أن ما ساهم في التباعد بين التيار والحزب هذه الأيام هو انتفاء تنفيذ ما ورد في البند الرابع من التفاهم أي بند بناء الدولة، حيث يرى التيار الوطني الحر أنها ظلت عناوين عامة لم يظهر الحزب ترجمة عملية لها، وإن كانت الخطوط العريضة لبناء الدولة لا يمكن أن تشكل موضع خلاف .في حين أن الموافقة على التفاصيل هي من باعدت عمليا في المواقف بين التيار والحزب. وهنا تقول مصادر في التيار الوطني الحر لـ «اللواء» أن حزب الله لم يكن دائما الداعم الفعلي لتوجهات التيار خصوصا بعد تسلم العماد عون رئاسة الجمهورية وإطلاق ورشة التغيير والإصلاح التي التزامها في خطاب القسم، ذلك أن البند الرابع من التفاهم يدعو إلى اعتماد معايير العدالة والتوافق والجدارة والنزاهة الأمر الذي لم يترجم عمليا في مواقف الحزب والتي ظلت رمادية انطلاقا من حرص الحزب على عدم الوقوف إلى جانب التيار في تطبيق هذه المعايير تطبيقا كاملا وكذلك الأمر بالنسبة إلى «التزام القضاء العادل والنزيه لأحقاق دولة الحق والقانون « وما يتفرع منها من نقاط، ظل التيار ومعه رئاسة الجمهورية يشعران بأن الحزب لا يلاقيهما في مقاربة ضرورة احترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية وتأمين استمرارية عملها وعدم تعطيلها،خصوصا في ما يتعلق بالمجلس العدلي والمجلس الدستوري.
وتشير المصادر إلى أن مقاربة ملف معالجة الفساد تعد نقطة أساسية في التباعد بين الفريقين، حيث يسجل التيار ومعه رئاسة الجمهورية عتبا شديدا على حزب الله لأنه لم يقف بقوة إلى جانب مسيرة مكافحة الفساد وتفعيل مؤسسات ومجالس الرقابة والتفتيش المالي والإداري وفصلها عن السلطة التنفيذية لضمان عدم تسييس أعمالها، فضلا عن أن الحزب لم يجارِ توجه التيار ومعه رئاسة الجمهورية في كشف مكامن الفساد والمضي في التحقيقات القضائية التي تكفل ملاحقة المسؤولين واسترجاع المال المنهوب على حد ما ورد في ورقة التفاهم، وقد فضل الحزب اما البقاء على الحياد حينا أو النأي بالنفس أحيانا. وبدا مسايرا أكثر لخيارات وتوجهات شريكه في الثنائية الشيعية أي حركة امل ورئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري،الذي يقول التيار ومعه رئاسة الجمهورية أنه عرقل إقرار قوانين تساهم في محاربة الفساد بكل وجوهه، وما وجود اقتراحات قوانين قدمها التيار، في ادراج مجلس النواب حتى اليوم إلا الدليل على ذلك.
وتوضح المصادر نفسها أن التيار كان يأمل أن يقف الحزب أكثر إلى جانبه في ما خص ملف الفساد ولكن غاب الدعم المنتظر من الحزب عمليا، ما اجهض مساعي التيار ومن ثم رئاسة الجمهورية في تحقيق ما يجب تحقيقه في هذا المجال. وادى ذلك أيضا إلى تعطيل عملية الإصلاح طيلة السنوات الخمسة من ولاية الرئيس عون خلافا لما ورد في ورقة تفاهم مار مخايل.وتضيف:لم يدعم الحزب الرئاسة والتيار في التوجه لاصلاح إداري شامل يكفل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لاسيما أولئك المشهود لهم بالجدارة والكفاءة ونظافة الكف وبدت مؤسسات الرقابة شبه معطلة على الرغم من محاولات الرئاسة من تفعيلها بعد تغيير القيمين عليها، لكن قاعدة المحاصصة التي اعتمدت والتي كان يؤمل أن يؤيدها الحزب غلبت كل المبادىء التي اتفق عليها في التفاهم وضاعت المهل التي كان يفترض أن توضع لمعالجة هذه النقاط لاسيما وأن عامل الوقت صار يضيق مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس عون بعد ١١ شهرا تقريبا.
وتعتبر المصادر أنه لو التزم الحزب بما تم الاتفاق عليه في بناء الدولة لكانت الأمور أفضل مما هي عليه اليوم لا سيما بالنسبة إلى القضاء على الفساد ولو تدريجيا وإصلاح الإدارة ومؤسساتها والمحافظة على القضاء العادل والنزيه، والدليل ما يتعرض له الجسم القضائي حاليا من تفكك وشرذمة وارتهان قد يفقد السلطة القضائية دورها ومسؤولياتها في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. لكن هذه المصادر تقول إن ما من خلاف بين الطرفين على المسائل الاستراتيجية والعنوان الأساسي وهو حماية السلم الأهلي وضمان الاستقرار ومنع استفراد للمقاومة او إضعافها من خلال التأمر عليها، لأن هذه المبادئ هي التي يؤمن التيار بها لأنها تحقق قوة لبنان في هذه المرحلة، وإن كان ثمة بعض التململ من المواقف الحادة التي التزمها الحزب فضلا عن مسايرته شريكه حركة امل .
في ضوء ذلك يبقى الكلام عن التحالف بين التيار والحزب في الانتخابات النيابية المقبلة سابقاً لأوانه، لكن ثمة من يرى أن لا مناص لحزب الله من التفاهم مع التيار لاسيما في الدوائر المختلطة على اعتبار ان أي دعسة ناقصة من جانب الحزب تجاه التيار وجمهوره ستكون القوات اللبنانية المستفيدة الأولى منها لتعزيز حضورها في مجلس النواب من خلال زيادة ممثليها،الأمر الذي يفرض إعادة تقييم مسار النظرة المشتركة إلى عنوان «بناء الدولة» حتى وإن كانت المهلة المتبقية من ولاية الرئيس عون أقل من عام،لاسيما وأن التباعد بين الرئاسة والتيار من جهة وحركة امل ورئيسها من جهة ثانية يكاد يلامس القطيعة وما جرى في اليومين الماضيين من مواجهة اعلامية بينهم خير دليل على ذلك، مع العلم أن الحزب بدا في موقف الوسط فلا جارى التيار والرئاسة في مواقفهما ولا دعم الحركة ورئيسها في الحملة على بعبدا والتيار في أن معا.