عقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان دورته السنوية العادية الرابعة والخمسين في الصرح البطريركي في بكركي، من الثامن حتى الثالث عشر من شهر تشرين الثاني 2021، برئاسة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، وبمشاركة البطريرك الأنطاكي للسريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك مار يوسف العبسي، كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك البطريرك مار روفائيل بدروس الحادي والعشرين ومطارنة الكنائس الكاثوليكية والرؤساء العامين والرؤساء الأعلين، ومكتب الرئيسات العامات للرهبانيات النسائية وأمانة المجلس العامة. وشارك في الجلسة الافتتاحية ممثل السفير البابوي المطران جوزف سبيتيري القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور جوزبي فرانكوني.
افتتح الراعي الدورة بالصلاة، ثم ألقى كلمة رحب فيها بالأعضاء الجدد وعلى رأسهم البطريرك روفائيل بدروس الحادي والعشرون، وصلى مع الآباء لراحة نفس من انتقل منهم الى بيت الآب، المثلثا الرحمة، البطريرك كريكور بدروس العشرين والمطران بطرس الجميل، واضعا أعمال دورة المجلس “تحت أنوار الروح القدس، وشفاعة العذراء مريم”، وعرض موضوع الدورة في قسمين: القسم الأول يدور حول عرض الرؤية الوطنية للكنيسة، وهو موضوع تمليه الظروف الراهنة. وأكد أن “خلاصنا هو في العودة الى ثوابتنا الوطنية، أي العيش المشترك والميثاق الوطني والصيغة”. والقسم الثاني يدور حول رسالة الكنيسة التربوية مؤكدا أن “التربية واجب على الكنيسة بحكم رسالتها”.
بعد ذلك، ألقى القائم بأعمال السفارة البابوية كلمة السفير البابوي، منوها بالرغبة عند الآباء في وضع “مشروع كنسي بإمكانه الاستجابة الملحة للظروف الراهنة التي يواجهها لبنان”، ومؤكدا أنه “لا يمكن للكنيسة التخلي عن رسالتها التربوية” وأن “المؤسسات التربوية الكاثوليكية في لبنان تتابع تقديم التنشئة على القيم الإنسانية الأساسية”.
وبعد أن وجه الراعي باسم المجلس برقية الى البابا فرنسيس عن أعمال الدورة وطلب بركته الرسولية، باشر المجلس بتدارس مواضيع الدورة، وفي الختام صدر البيان التالي:
“أولا: الرؤية الوطنية للكنيسة
استمع المجلس الى سيادة المطران منير خيرالله يقدم الموضوع الأول للدورة في ورقة عمل بعنوان: “بناء دولة حديثة- الرؤية الوطنية للكنيسة”.
ثم توالت الجلسات على مدى ثلاثة أيام لشرح الرؤية الكنسية المقترحة، كانت فيها أربع مداخلات:
المداخلة الأولى للبروفسور أنطوان مسرة بعنوان: “ما معنى دولة في لبنان ؟ الأسس الدستورية في مجتمع تعددي والخطط التربوية”.
المداخلة الثانية لمعالي الأستاذ زياد بارود بعنوان: “مركزية الدولة في اللامركزية- آليات التنوع في الوحدة”.
المداخلتان الثالثة والرابعة للدكتور ساسين عساف والأستاذ إبراهيم شمس الدين، تكاملتا في عرض “الدولة المدنية في لبنان: إشكاليات مفهومها وشروط بنائها ومرتكزاتها”.
ثم كانت مناقشة عامة في جلسة حوار مفتوح، أكد على إثرها المجلس النقاط التالية:
أ- يقف أعضاء المجلس الى جانب صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رئيسه، في مبادرته الوطنية الهادفة الى إنقاذ لبنان بعد استعصاء التوافق السياسي في الظروف الراهنة وذلك عبر الدعوة الى إعلان حياد لبنان الناشط والملتزم، والى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، لتطبيق القرارات الدولية التي لم تطبق، واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وحماية سيادة لبنان، وإيجاد الحلول لمشكلة اللاجئين والنازحين.
ب- يؤكد المجتمعون تمسكهم بالثوابت الوطنية، أي العيش المشترك والميثاق الوطني والصيغة التشاركية بين المكونات اللبنانية في النظام السياسي. كما يؤكدون تبنيهم لما جاء في وثيقة الوفاق الوطني (1989) والدستور (1990) الذي ينص في مقدمته على أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأرض واحدة لكل اللبنانيين، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين (فقرة ط)، وأنه يجب رفع الشرعية عن أية سلطة تناقض العيش المشترك (فقرة ي)، وأن لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة (مادة 1). كما يطالبون باعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة ضمن دولة مركزية قوية.
ج- أمام استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي والأمني والديبلوماسي والقضائي، وارتفاع نسبة الفقر والخوف لدى الشعب اللبناني، وازدياد نسبة البطالة والهجرة، يرفع المجتمعون صوتهم ليستنكروا هذا الوضع الشاذ وليطالبوا المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم والتحرك السريع لتدارك الخطر الداهم، وبضرورة الاحتكام الى الدستور واحترام مبدأ فصل السلطات لكي تتابع الحكومة ورشة الإصلاح المطلوب ولكي يكمل القضاء تحقيقاته في كل الجرائم والقضايا المطروحة، وأولها جريمة انفجار مرفأ بيروت. والإسراع في العمل على حل الأزمة الديبلوماسية القائمة مع دول الخليج.
د- يدعو المجلس جميع اللبنانيين، وبخاصة المسؤولين السياسيين منهم، الى التعالي عن المصالح الشخصية، وتأمين خدمة المصلحة العامة ومحبة لبنان، والعمل معا على بناء دولة حديثة بكل مقوماتها، أي دولة وطنية لبنانية جامعة، دولة مدنية ديمقراطية غير طائفية وغير مذهبية، دولة قانون وعدالة، دولة مشاركة، ودولة مواطنة يتساوى فيها المواطنون ويعيشون معا في احترام انتماءاتهم المتعددة. كما يدعو المجلس جميع المواطنين في لبنان وفي بلدان الانتشار الى ممارسة حقهم وواجبهم في الاقتراع في الانتخابات المقبلة لإحداث التغيير المرتجى.
ه- يدعو المجلس جميع اللبنانيين الى إقامة الحوار في ما بينهم، حوار المحبة في الحقيقة والمصارحة والمغفرة والمصالحة من دون مساومات ولا تسويات، كما طلب منهم القديس البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” (1997)، وكما يطلب منهم قداسة البابا فرنسيس (في رسالته الى اللبنانيين 24/12/2020، وفي لقاء الصلاة والتفكير الذي تم في الفاتيكان في1/7/2021). هذا الحوار بات ضروريا اليوم، بل ملحا، ويفترض عملية تنقية الذاكرة من قبل جميع الأطراف اللبنانيين، أي أن يقوم كل طرف بفحص ضمير عميق، وفعل توبة صادق، وقراءة نقدية لمسيرته السياسية. فنصل جميعا الى الاعتراف بالأخطاء، وطلب المغفرة، وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة. ولا يكون في هذا الحوار أي مصلحة سوى قيامة لبنان، وإعادة بنائه وطنا رسالة.
وتقوم لجان منبثقة من المجلس بالتواصل مع القوى الحية والتغييرية الناشطة في المجتمع المدني، ومع الجماعات الأخرى المسيحية والإسلامية، بهدف الوصول الى تشكيل خلية دراسة وتفكير تهيء للحوار بين الأطراف كافة برعاية رئيس المجلس صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى.
ثانيا: رؤية الكنيسة التربوية
استمع المجلس الى ثلاث مداخلات تعرض الرؤية التربوية للكنيسة:
المداخلة الأولى بعنوان “إشكالية التربية في لبنان، في ضوء الهوية والرسالة الكنسية الوطنية”، للأم ماري أنطوانيت سعادة.
المداخلة الثانية بعنوان: “البعد الاجتماعي والأخلاقي في التربية الكاثوليكية، القيمة المضافة”، للدكتورة وديعة الخوري.
المداخلة الثالثة بعنوان “تقرير اللجنة الأسقفية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية”، للأب يوسف نصر المخلصي.
وبعد المناقشات، أكد المجلس على النقاط التالية:
أ- يشدد المجلس على رسالة الكنيسة التربوية التي أسهمت عبر العصور ولا تزال تسهم في تطور المجتمعات وترقي الإنسانية روحيا وثقافيا وعلميا. وقد عملت ولا تزال تعمل على تأمين التعليم النوعي والتربية الشاملة للجميع ومن دون تمييز ديني أو طائفي أو طبقي أو اجتماعي، وهي تطمح دوما الى تعزيز هذه الطاقة وتحسينها، وإبقاء التعليم في متناول جميع العائلات انسجاما مع رسالتها الأساسية التي هي توفير العلم والترقي الثقافي للجميع” (المجمع البطريركي الماروني، النص 15، عدد 27).
ب- بما أن المدرسة عامة، والكاثوليكية خاصة ومنها المجانية، تواجه صعوبات جمة تهدد حضورها واستمراريتها، وتحديات كبيرة، منها الوجودي- الوطني والاجتماعي، والإداري- التنظيمي، والاقتصادي- المالي، والأخلاقي وإهمال الدولة، يطالب المجلس الدولة والمجتمع الداخلي والخارجي بدعم المدرسة الكاثوليكية لتلبي دعوتها كمربية الأشخاص والشعوب وتتابع رسالتها في توفير التعليم النوعي، وخدمتها للأجيال الطالعة المحتاجة الى الأسس الثقافية والروحية والخلقية.
ج- يذكر المجتمعون بأنه من واجب الدولة تأمين التعليم والتربية لجميع التلامذة اللبنانيين، وبأنه من واجبها أن تدعم التعليم الرسمي وتؤمن له النوعية الجيدة؛ كذلك، انه من واجبها أن تدعم التعليم الخاص ليساهم في توفير التعليم للجميع، وبخاصة أن الدستور يضمن للوالدين حرية اختيار المدرسة لأولادهم (المجمع البطريركي الماروني: النص 15، عدد 24). لذا يطالب المجلس المسؤولين في الدولة، وبخاصة الوزارات المختصة، دعم التعليم بكل مكوناته، من خلال إقرار مشروع البطاقة التربوية، ومشروع قانون الخمسماية مليار ليرة لبنانية، وتكريس مبدأ الشراكة في تحديث المناهج، وبخاصة بعد صدور تقرير اليونسكو “مستقبل التربية” (تشرين الأول 2021).
ثالثا: مواكبة مسيرة سينودس الأساقفة- روما 2023
استمع الآباء الى قدس الأب خليل علوان، الأمين العام لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، يعرض المراحل الإعدادية لسينودس الأساقفة المنوي عقده في روما في تشرين الأول 2023 بعنوان: “نحو كنيسة سينودسية- شركة ومشاركة ورسالة”.
ثم استمعوا الى المنسقين البطريركيين- سيادة المطران منير خيرالله عن الكنيسة المارونية، وسيادة المطران إيلي بشاره حداد عن كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، وسيادة المطران ماتياس شارل مراد عن كنيسة السريان الكاثوليك، وسيادة المطران جورج أسادوريان عن كنيسة الارمن الكاثوليك، وسيادة المطران ميشال قصارجي عن الكنيسة الكلدانية، وسيادة المطران سيزار اسايان عن الكنيسة اللاتينية – يعرضون انطلاقة المسيرة السينودسية في كنائسهم.
رابعا: الجمعية العمومية السنوية العادية الثانية لرابطة كاريتاس لبنان.
افتتح صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رئيس المجلس، الجمعية العمومية السنوية العادية الثانية لرابطة كاريتاس لبنان بكلمة شكر فيها عمل الرابطة، ونوه بالقدرات الخلاقة والمبادرات الرائدة، التي تطلقها برئاسة الأب ميشال عبود الكرملي، رئيسها. كما اعتبر أن عمل الرابطة يقوم بالتكامل مع خدمة البشارة وخدمة الأسرار في خدمة المحبة، مؤكدا أن رابطة كاريتاس لبنان تعمل كجهاز الكنائس الكاثوليكية الممثلة في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في خدمة الشأن الاجتماعي.
ثم استمع المجلس مع أعضاء الجمعية العمومية لرابطة كاريتاس لبنان الى كلمة رئيسها الأب ميشال عبود التي أكد فيها أن الرابطة تعمل برئتين: الرئة التطوعية والرئة التوظيفية مشددا على أن عمل الرابطة يطال كل محتاج، وأن الظروف القاسية والمتراكمة، جراء جائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصادية الضاغطة، مع تبعاتها وانعكاساتها، أدت الى صعوبة تحديد من هو المحتاج ومن هو الفقير. لذلك تمد الرابطة يد المساعدة لكل من يطرق بابها.
ثم اطلع المجتمعون على تقرير السنة الفائتة، والبيان المالي وناقشوا موازنة 2022 وأقروها بالإجماع.
خامسا: شؤون إدارية
اطلع الآباء من الأمين العام الأب كلود ندره، على التقرير السنوي للهيئة التنفيذية للمجلس وعلى البيان المالي للعام 2020- 2021 وأقروا موازنة العام 2021- 2022.
ثم عمدوا الى:
1- انتخاب رؤساء ونواب رؤسا للجان الأسقفية ونوابهم، أولا خلفا لمن أنهوا كامل ولاياتهم، ثانيا لمن أنهوا ولايتهم الأولى: سيادة المطران ابراهيم ابراهيم رئيس أساقفة الفرزل وزحلة وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك، رئيسا للجنة الأسقفية لراعوية الخدمات الصحية في لبنان. سيادة المطران مارون العمار راعي أبرشية صيدا المارونية، رئيسا للجنة الأسقفية “عدالة وسلام”. سيادة المطران متياس شارل مراد النائب البطريركي على أبرشية بيروت للسريان الكاثوليك، ممثلا لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في المؤتمر القرباني العالمي. قدس الاباتي مارون أبو جوده، نائبا لرئيس اللجنة الأسقفية للحوار الإسلامي المسيحي. حضرة الأم ماري أنطوانيت سعادة، نائبة لرئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية. قدس الأباتي بيار نجم، نائبا لرئيس اللجنة الأسقفية للتعليم العالي والجامعي.
- موعد انعقاد دورة المجلس 2022 وموضوعها
حدد المجتمعون موعد انعقاد دورة المجلس العادية الخامسة والخمسين للعام 2022، من 7 إلى 12 تشرين الثاني 2022، واقترحوا موضوعها، ” قراءة الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان” في أقسامه الوطنية والسياسية والاجتماعية بمناسبة مرور 25 سنة على صدوره. تعد الهيئة التنفيذية والأمانة العامة للمجلس المضامين وجدول الأعمال وتعرضهما على مجلس الرئاسة لإقرارهما”.
وختم المجتمعون بيانهم: “لمناسبة إطلاق مسيرة التحضير لسينودس الأساقفة، روما 2023، في كنائسنا وأبرشياتنا ورهبانياتنا، يدعو المجتمعون أبناءهم وبناتهم الى السير معا بهدي الروح القدس في الإصغاء الى صوت الله والى بعضنا البعض، والى المثابرة على الصلاة والسجود والتوبة في العائلات والرعايا والأديار والأبرشيات. ويطلبون من الله، بشفاعة العذراء مريم وجميع قديسينا، أن يمنحنا جميعا، رعاة ومؤمنين، القوة لنكون شهود الرجاء بيسوع المسيح في كنيسة تخرج من بناء الحجر الى مساحة البشر لملاقاتهم حيث يعيشون ويعانون ويتألمون ويرجون. فتعيش القرب منهم وتصغي اليهم وتحتضنهم في أنينهم وتبلسم جراحهم. ومعهم تواجه بثبات تحديات الظروف الراهنة وتبني رجاء جديدا للبنان الوطن الرسالة. ورجاؤنا كبير أن الرب يسوع يسير معنا، وأن العاصفة ستهدأ، وأن قيامة الوطن قريبة”.