IMLebanon

البرغي

كتب ابراهيم الأمين في “الأخبار”:

لم أكن يوماً مضلَّلاً، أو تعرضت للغش ولم أكن أعرفك. بل كنتُ أرى فيك صحافياً ناجحاً، وأقبلُك كما أنت. صحافياً نمت علاقاته المهنية والشخصية كغيره في ظل هذا النظام الذي تقول اليوم إنك ضده.

لكنني أعرف، ولا ينتقص ذلك منك شيئاً، أنك لم تكن يوماً رأس حربة، لا ضد الوصاية السورية، ولا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما لم تكن يوماً رأس حربة في مواجهة الظلم والتعسّف والدولة الأمنية اللبنانية والعربية والدولية التي حكمت لبنان باسم التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري. ولا في مواجهة الفساد الذي أطل برأسه قبل وأثناء وبعد رحيل رفيق الحريري.

ولم أكن، كغيري، لأطالبك بما لا تريده أو لا قدرة لك عليه. لم يسألك أحد، في «الأخبار»، لا قبل 17 تشرين ولا بعده، عن علاقاتك الوطيدة بكل أركان النظام، من رؤساء جمهورية وحكومات ورئيس مستمر لمجلس النواب وحاكم دائم لمصرف لبنان، ولا عن علاقاتك الوثيقة بكل نادي الوزراء والنواب وقادة الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية وأركان «الاقتصاد الحر»، وبكل زعماء القبائل اللبنانية، والقيادات الحزبية على اختلافها. كما لم يسألك أحد عن نفوذك القوي في قلب الدولة العميقة التي أدارت البلاد ولا تزال، والتي قرّرت أنت، في لحظة ما، الثورة ضدها.

حتى في سياق عملك المهني مع بيار الضاهر، الرجل الذي حار ودار ولم يتوقف عن القيام بكل ما يقنع أو لا يقنع، لحماية المؤسسة، كنت أنا ممن يحترمون حقّك في الحفاظ على مسافة تقيك شرّ الظلم المهني، وتمنحك عدلاً حتى في العقد المالي المجحف مع هذه المؤسسة، وما كان أحد يلومك على كل أنواع التسويات التي أبرمتها باعتبارها حقاً لك.

وعندما كتبتُ دفاعاً عنك في «الأخبار»، قبل تسع سنوات، في وجه من أراد النيل من حريتك، لم أفعل ذلك محاباة أو مراضاة، وأظنّك تعرفني جيداً، وتعرف أنني ما كنت لأقف صامتاً عندما يصيب الظلم أياً كان. أنت شخصياً، تعرف، عن قرب، موقف سعد الحريري مني شخصياً ومن الجريدة. مع ذلك، وحْدنا في «الأخبار» دافعنا عنه يوم اعتقله الدبّ الداشر، بطل العروبة الأغرّ كما تصورونه في قناتكم اليوم. فعلنا ذلك عن قناعة، بينما ران الصمت على كل المنصات، بما فيها حيث كنت تعمل، وحيث تعمل اليوم.

لكن، ثمة ما تغير فيك يا عزيزي، ومنذ ما قبل مغادرتك المؤسسة اللبنانية للإرسال. ما تغير لم يكن (فقط) تعبيراً عن طموح مهني محقّ في تطور تطمح إلى تقديمه، بل هو أنك قررت في لحظة سياسية ومهنية ومالية – وهذا خيارك الحر أيضاً – أن تنتقل إلى ضفة لها وجهها الأكثر وضوحاً في الإعلام، وفي السياسة والاقتصاد والاجتماع أيضاً. قرّرت أن تطلّ، هذه المرة، من بوابة مفتاحها في يد شاب تعرف، وأعرف، ما الذي جرّب فعله في العديد من المحطات، حتى إبان اعتقال صديقك الحريري الذي لم تنتفض يومها من أجل حريته الشخصية أو دفاعاً عن كرامة بلدك. مع ذلك، لن ألومك على عدم الإقدام على فعل لست مقتنعاً به، أو لا قدرة لك عليه.

ما حدث، يا عزيزي، أنك انضممت إلى ماكينة تعرف مسبقاً إلى أين تقود. وصدمتي أنك قبلت بأن ينتهي بك الأمر مجرد «برغي» في ماكينة صدئة لا تملك فكرة أو قولاً أو عملاً أصيلاً، وقبلت الانضواء في برنامج قاده أنطون الصحناوي الذي رتّب كل عملية انتقالك إلى محطة الـ«مر تي في». وأنت تعرف، أيضاً، أن آل المر لا يفعلون سوى بيع الهواء. ويسرقون الأفكار مما هو رائج في الغرب، كما سرقوا الإنترنت والاتصالات أيضاً بحسب التحقيقات والأحكام القضائية. وهم اليوم يعرضون منصتهم لمن يدفع أكثر. ولا مانع لدى ابن المر في أن يختار الشاري الآلية التي تناسبه للتمويل، مباشرة أو عبر رعاية إعلانية أو غيرها. فالمهم، بالنسبة إليه، هو أن يحتل الموقع الأول في عالم «التتفيه» لا «الترفيه»، على ما كان يقول الراحل رمزي نجار. لكن الرجل لم يعد يكتفي بذلك. ولو أنك قرأت تفاصيل مفاوضاته مع السعوديين لبيعهم حصصاً في قناته، لكنت عرفت، وأعتقد أنك تعرف جيداً، مع من تعمل. فالرجل اليوم مصاب بعارض أصاب كثيرين في لبنان. من المخلّص سمير جعجع الذي أرسله الله لتطهيرنا من خطيئتنا الأصلية والمستمرة فينا، مروراً بالمحقق العدلي الذي نزل عليه وحي إلهي بإنقاذ لبنان من الفاسدين والزعران، وصولاً إلى «الثائر» ميشال المر الذي لن يقبل بأقل من كتلة نيابية يقودها من أجل تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني، بعدما قاد عملية تحرير لبنان من الاحتلال السوري… ألم يقل هو ذلك؟

لم أكن يوماً مضلّلاً حيالك. تعلم جيداً أنني أعرفك، وأعرف من أي بيت خرجت، لذلك أحزن على ما آلت إليه أمورك، وعلى أنك صرت واحداً ممن يرى فيهم الناس بومة تحرض على الفتنة. كما أحزن كيف تعطينا درساً في أصول العمل الصحافي، من دون أن تكلّف نفسك التدقيق قليلاً قبل استقبال «شاهد» مسكين أنقذه تقرير طبي من ورطة كان برنامجك مدخلاً لها.

وحْدنا في «الأخبار» دافعنا بقناعة عن سعد الحريري يوم اعتقله الدبّ الداشر، بطل العروبة الأغرّ كما تصورونه في قناتكم اليوم، بينما ران الصمت على كل المنصات

ثم، هل أنت مقتنع حقاً بأن السعودية وسفارتها في بيروت ومخابراتها المتخلفة لا تقرّر كل كبيرة وصغيرة ليس في قناتك فحسب، بل في كل النادي السياسي الذي انضممت إليه من دون مقدّمات؟

ألا تعرف أنت، وتفصيلياً، عن دور السفارة الأميركية في عوكر، ومسؤولين في واشنطن من أصدقاء الصحناوي، في رعاية «إعلام التغيير»، ومنه القناة التي تعمل فيها، وتوفير التمويل، رغم أن بين الأميركيين، في بيروت وفي واشنطن، من لا يستهضم ابن المر نفسه. ومع ذلك، يساهمون في تمويل ودعم «التدريب على الديموقراطية» في الإعلام اللبناني، وفي برنامجك بالتحديد. وهل تعتقد أن الوثائق التي تكشف عمليات التمويل والتجنيد، ولو صُنّفت على أنها فائقة السرية، عصية على أن تصبح متاحة بفعل قوانين وقواعد وأعراف… وفوق ذلك بقدرة وإصرار من يريد أن يعرف أيضاً…

ألم تسأل نفسك يوماً، أو هل حاولت أن تعرف، عن مصير الداتا التي تخص كل من يريد المشاركة في البرنامج حضوراً أو مساهمة في صفوف الجماهير – عفواً الجمهور. لن أسألك عن كيفية الاختيار بينهم، لكنني أسألك إن كنت تعلم بمصير الداتا – وما هو أكثر – التي تحوي الأسماء وأرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني الخاصة بهم، والتفاصيل الخاصة بميولهم السياسية وطوائفهم ومذاهبهم وتعليمهم وأين يعيشون وماذا يعملون؟

هل فكرت من يستعمل هذه الداتا، وكيف صُرف جزء منها في حراك تشرين وما بعده في المجموعات التي نبتت كالفطر، و«صودف» أن الثائر الأممي ديفيد شينكر، ومن سبقه وخلفه، ظلوا يعملون على الاستثمار فيها؟

ألا تعرف أن كل البرنامج الأميركي عندما تقرر تفعيله في لبنان وتمت ترجمته إعلامياً عبر أشكال مختلفة في مقدمها رعاية «قنوات الفتنة»، كانت المهمة وحيدة، وعنوانها أوضح من الشمس: شيطنوا حزب الله وما يسمى المقاومة وأنصارها، واضربوا التيار الوطني الحر من ميشال عون وجبران باسيل إلى آخر نصير لهم، واصرخوا عالياً، ولو شمل سبابكم غالبية الشعب اللبناني.

لماذا يهتاجون لتحقيق هذا الهدف، وهل من مشكلة عندهم مع المقاومة غير أنها تهزم إسرائيل وتقاوم بقية الهيمنة الأميركية في بلادنا، وتتصدى لشياطينهم؟

وهل أنت مقتنع فعلاً بأن برنامجك لم يتحول منصة لشعارات وأحقاد تعيدنا إلى أيام المحافظين الجدد الذين أرادوا تغيير وجه الكون بعد 11 أيلول؟ ولا بأس لو سُمح لك، نعم لو سُمح لك، بتلوين المشهد بأصوات «الرأي الآخر»، على طريقة ما فعلته القنوات التي فتحت باب التطبيع مع العدو. أم أنك تصدق الرواية عن تدريب الشباب اللبناني على الحوار والديموقراطية، وصرت تعتقد فعلاً أنك صاحب دور استثنائي لا يقتصر دوره على صداقة الطبقة السياسية، بل على صناعة بديلها أيضاً.

اقرأ الفقرة التالية وابحث عن مصدرها – وأعتقد أنه ليس مستحيلاً عليك العثور عليه، أما بقيتها فجرّب حظك – وفيها يرد الآتي: «يأمل مارسيل غانم والـ mtv بأن نشر ثقافة المناظرة في لبنان وإثبات قدرة التلامذة على النقاش سيفسحا المجال لاستضافة أولى المناظرات في لبنان بين القيادات السياسية الوطنية قبيل الانتخابات النيابية القادمة التي يفترض أن تقام في عام 2022».

أسفي عليك كبير لأنك قبلت أن تكون «برغياً» في ماكينة صدِئة، لن تنفع أموال الدنيا في إعادتها إلى العمل. وإذا كنت لا تجيد القراءة، وهذا أمر غريب عليك، فتذكّر بأن ما أشرتُ إليه في مقالتي عن دور وليد البخاري لا صلة له بالفيديو الذي وُزّع بعد الحلقة. وأنت تعرف أنني لست بالخفة التي تجعلني أصدق كل ما يشاع من هنا أو هناك، ولديّ مثلك، أو أقل منك، خبرة في كيفية إدارة الحلقات عن قرب أو عن بعد. ويمكنك أن تسأل العزيز جورج، الذي حدثته عن الحلقة وعن الفيديو نفسه، وكررتُ على مسامعه ما قلتُه له مرات ومرات من ملاحظات كنت أشعر دوماً أنني ملزم بها من باب الحرص. وأقرّ هنا، علناً، بأنني أهملت من تسريبات «أقبية السوء» في ممالك القهر والإذلال، ما كتبه سفراؤهم أو نسبوه إلى غيرهم، قولاً وتوصيفاً وتقديرات… أهملتُ عن وعي كل ما قد يشكّل إساءة لك، وخاصة أنني أحفظ للراحلة والدتك، ولو عن بُعد، مكانتها الخاصة، كما حفظت الودّ لجورج ودوللي، ولك أيضاً.

أما وأنك تلبّستَ دور البطل القادر على هزم جيوش وتحرير البلاد وقيادة العباد إلى الصالح، وقررتَ دخول معركة تستخدم فيها ما تعتقد أنه حق لك، واستلّيت من الكلام سيوفاً أثقل من قدرتك على حملها، وشتمت وحقّرت واستخدمت ما وجدته مناسباً في القول والنبرة والاتهام… فلا مانع من المنازلة.

لكن، نصيحتي لك، احصر معركتك معي ومع «الأخبار»، ولا تقحم حزب الله في الأمر. وأنت، كما جورج، والبقية، تعرفون جيداً على أي أرض أقف أنا ورفاقي. كل ما أنصحك به هو التالي: واجهني مباشرة، وها أنا أبلغك مسبقاً بأن ليس في مقدورك اختيار المسرح والتوقيت والطريقة. وبما أننا نعمل في منصات تمثل كل أسلحتنا، فدعوتي لك بأن تكون في المرات المقبلة أقل توتراً وأكثر استعداداً!