تضع مصادر متابعة للملفات المالية الهجوم الفرنسي المتجدد على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سواء مباشرة أو عبر تحريك القضاء في لوكسمبورغ بعد فشل المساعي في سويسرا وبريطانيا، في إطار محاولة القيام بردّ فعل بعد الضربة الأميركية القاسية جداً لفرنسا والتي تمثّلت بفرض عقوبات على النائب جميل السيد.
وتسأل المصادر كيف أن فرنسا والقضاء الفرنسي لم يقوما بأي خطوة بحق السيّد الذي فُرضت عليه عقوبات أميركية نتيجة فساده، واتهمه قرار وزارة الخزانة الأميركية بتحويل أكثر من 120 مليون دولار إلى الخارج، وخصوصاً ان جميل السيد يملك حسابات مالية في فرنسا إلى جانب شراكته في بنك “أسترو” في قبرص وأمواله في قطر أيضاً.
وفي هذا الإطار تشرح المصادر كيف أن كل ما تفعله فرنسا في سياق الهجوم على رياض سلامة لا علاقة له بمحاربة الفساد والفاسدين في لبنان إنما يأتي في إطار استهداف سياسي خدمة للمحور الإيراني- السوري ليس أكثر، والدليل أن فرنسا لم تتحرّك ضد أي فاسد في لبنان على الإطلاق، ولم تنفّذ تهديداتها بفرض عقوبات على الفاسدين، لا بل إنها لم تتجاوب مع العقوبات الأميركية على الفاسدين بحسب التصنيف الأميركي، بدءًا بالنائب جبران باسيل والوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، تماما كما لم تتحرك بالأمس مع فرض واشنطن عقوبات على جميل السيد والمتعهدين جهاد العرب وداني خوري.
كما أن فرنسا تغرّد خارج السرب الأوروبي وترفض تصنيف “حزب الله” منظمة إرهابية، وتصرّ على التعاون مع الرئيس نجيب ميقاتي وتحميه وتمنع استقالته رغم فتح ملفات فساد بحقه في لبنان من قبل القاضية غادة عون، تماماً كما ترفض باريس أن تفتح ملفات فساد أي شخصية لبنانية رغم كثرة الفاسدين الذين يعرفهم المسؤولون الفرنسيون جيداً.
ويبقى السؤال لماذا إذا تصرّ باريس على محاولة ملاحقة ملفات تتصل برياض سلامة وتلجأ إلى التسريبات الإعلامية دائماً بما ينتهك أبسط قواعد التحقيقات القضائية المحترمة؟
الجواب بسيط جداً بحسب المصادر التي تقول: إبحثوا عن العلاقات الفرنسية- الإيرانية وعن الصفقات التي تجمع باريس بطهران، وابحثوا أيضا عن مثلث جميل السيد- ألان بيفاني- سمير عساف والأدوار التي لعبوها ويلعبونها لأهداف محددة يكن اختصارها بالآتي:
1ـ الإجهاز على القطاع المصرفي بشكل يؤمن انهياره التام وإفلاس المصارف بما يتيح تصفير ديون الدولة على حساب المودعين، فيضربون عصفورين بحجر واحد: فتح الباب أمام المنظومة الحاكمة نفسها للاستدانة من جديد بعد تصفير ديونها وأيضا إقامة نظام مصرفي بديل تابع بالكامل لمحور الممانعة كان أطراف المثلث المذكور أعلاه مهّدوا له في الخطة المالية لحكومة حسان دياب عبر تمرير بند فيها يشير إلى منح رخص لـ5 مصارف جديدة، في حين أن المطلوب كان إعادة هيكلة القطاع المصرفي الحالي وليس فتح مصارف جديدة. وفي هذا الإطار كان دور جميل السيد أساسياً من خلال شراكته في بنك “أسترو” في قبرص مع مجموعة من المتمولين والمصرفيين الذين سحبوا أموالهم قبل الأزمة وكانوا من المتسببين بها، بهدف التحضير للعودة بعد إسقاط النظام المصرفي الحالي.
2ـ الإطاحة بحاكم المصرف المركزي برياض للتمكن من تحقيق الهدف الأول وإسقاط النظام المصرفي، وأيضاً لأن اثنين من هذا المثلث وهما سمير عساف وألان بيفاني يطمحان إلى احتلال منصب حاكم مصرف لبنان في حال نجحت المحاولات الهادفة إلى تغيير حاكم مصرف لبنان، وخصوصا أن الاثنين مقربان من رئيس “التيار الوطني الحر” وصهر العهد النائب جبران باسيل الذي يخوض من أكثر من عامين أشرس معاركه مع رياض سلامة.
وتختم المصادر بالإشارة إلى تغريدة النائب باسيل الذي سأل فيها: “هل يجوز أن يُلاحق قضائياً حاكم مصرف لبنان وتنتقل ملاحقته من مرحلة الادعاء إلى التحقيق في دول أوروبية عدة فيما لم يتبيّن أن القضاء في لبنان قد ادعى عليه بعد، وهو المعني الأول بالجرائم الخطيرة الملاحق بها دولياً، وهي تتعلق بتبييض الأموال؟ أهكذا تُستعاد الثقة بالليرة اللبنانية”… وتسأل المصادر: هل يجوز أن رئيس أكبر تكتّل نيابي لا يعرف الفرق بين التحقيق والادعاء وأن التحقيقات تسبق الادعاء أو حفظ الملفات ولا يمكن للادعاء أن يسبق التحقيقات؟ وهل نسي باسيل أن القضاء في لبنان نظرياص قام بالادعاء أكثر من مرة على رياض سلامة والمقصود هنا القاضية العونية التي يحرّكها باسيل غادة عون والتي ادعت أيضاً على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يتعاون معه باسيل اليوم… ولذلك فإن أي طرف لا يأبه لكل ما يصدر عن غادة عون، لا بل إن من حرّكها أساء للقضاء؟ وهل تناسى باسيل أنه هو معاقب أميركيا بموجب غانون ماغنتسكي الذي يعاقب على الفساد وليس رياض سلامة المعاقب، وإن أراد باسيل الاعتماد على الملاحقات الخارجية فالأجدر به أن يخجل بسبب فساده والعقوبات التي أصابته أولاً ولم يجرؤ حتى على الاعتراض قضائياً على القرار الأميركي؟
وتختم المصادر بالتأكيد أن كل التحرك الفرنسي ضد سلامة يأتي في إطار مسيّس مفضوح، وخصوصاً أن ما يتم نشره مؤخراً كان موجوداً أمام المسؤولين الفرنسيين الذين امتنعوا عن التطرّق إليه للأسباب التي يعرفونها جيداً وخصوصاً أن كل قرارات مصرف لبنان يتم اتخاذها على مستوى المجلس المركزي، في حين يبدو أنهم قرروا استخدامه اليوم لمحاولة التغطية على فضائح اللبنانيين الفاسدين النافذين لدى باريس، ما يُسقط صدقية كل التحركات الفرنسية التي باتت مكشوفة ولن تصل إلى أي نتيجة.