Site icon IMLebanon

هل هناك خريطة طريق لحلّ الأزمة مع المملكة؟

كتب محمد حمية في “الجمهورية”:

بات واضحاً أنّ الأزمة الديبلوماسية المستجدة بين المملكة العربية السعودية ولبنان، هي إحدى انعكاسات النزاع في المنطقة بين المحورين الأميركي ـ الخليجي من جهة والإيراني ـ السوري من جهة ثانية، ما يجعل البُعد الإقليمي في الأزمة هو الحاكم، وبالتالي حلّها أكبر من طاقة لبنان ومطالب المملكة تفوق قدرة الدولة اللبنانية على تلبيتها.

فليس هناك من أسباب موضوعية أكانت تاريخية أو اقتصادية، تدفع لاندلاع اشتباك بين الرياض وبيروت، سوى ارتباط وانخراط أحد الأطراف اللبنانية بالنزاع الدائر في المنطقة بين المحورين، وتحديداً في اليمن. فتوتر العلاقة السعودية ـ اللبنانية لم يصل إلى هذا المستوى منذ حرب تموز 2006، على الرغم من تموضع «حزب الله» والمملكة على ضفتين متقابلتين بين محوري النزاع الإقليمي، وامتعاض «المملكة» من الدور التوسعي العسكري للحزب في سوريا، ورفضها غالبية السياسات الداخلية والخارجية للحكومات اللبنانية، لكنها لم تلجأ إلى قطع العلاقات الديبلوماسية وكانت تكتفي بـ«حرد» السفير السعودي في لبنان مرات عدة، ما يؤشر الى أنّ معطى مستجداً وشديد الحساسية بالنسبة الى القيادة السعودية طرأ على المشهد في المنطقة، ويتعلق باليمن، والدليل تزامن انطلاق الأزمة مع بلوغ المعركة العسكرية في مأرب مراحل الحسم النهائي.

وما يعزز هذا الاعتقاد، أنّ الخطاب الاعلامي لـ«حزب الله» ولا سيما السيد حسن نصرالله، بلغ سقوفاً عالية في السنوات الماضية، ولم تندفع المملكة الى هذا السقف في مواقفها وإجراءاتها، فيما تظهر الوقائع أنّ الحزب دأب منذ أشهر على خفض السقف السياسي والإعلامي ضدّ السعودية.

بيد أنّ المنطقة تقع على فوهة التصعيد بين المحورين، وكل دولة تشدّ الأحزمة للإلتحاق بقطار التسويات السائر بسرعة متوسطة، والذي انطلق بنحو فاعل وجدّي منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في العام الماضي، لذلك سارع أركان الاقليم الى تجميع أوراق القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والديبلوماسية، لاستخدامها على طاولة المفاوضات، لترسيم حدود القوة والتوازنات والمصالح والمكاسب في سوق التفاوض الاقليمي… ففي موازاة مفاوضات الحل السياسي لإنهاء الحرب في اليمن، انطلق الحوار السعودي – الايراني والمفاوضات الأميركية – الايرانية حول الملف النووي، إلى جانب الإنفتاح الخليجي على سوريا، الذي تُوّج بزيارة وزير الخارجية الاماراتي الى قصر الأمويين في دمشق بعد عشر سنوات من الحرب والعزلة العربية.

ولأنّ أسباب الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية تتخطّى الحدود اللبنانية، فإنّ حلّها بالتأكيد لن يكون على مستوى الحكومة أو الدولة في لبنان، خصوصاً في ظل التوازن السياسي الحالي في الحكومة، الحاكم والمتحكّم بالمعادلة الداخلية القائمة. لذلك، فإنّ المطلعين على المساعي يتوقعون إطالة أمد الأزمة لأشهر عدة أقلّه حتى الربيع المقبل.

فما العمل إذاً لوقف المسلسل التدريجي لتردّي العلاقة مع الرياض؟ وهل هناك خريطة طريق للخروج من المأزق؟

إذا كان تحييد لبنان عن النزاع الفلسطيني العربي – الإسرائيلي صعب المنال نظراً لتداخل وتشابك الملفات كاللاجئين ومزارع شبعا، ترسيم الحدود البحرية والنفطية، فإنّ إبعاد لبنان عن النزاع بين الرياض وطهران بات حاجة ملحّة وممكناً، كون لبنان لا يستطيع الإصطفاف مع قطب إقليمي ضدّ آخر، رغم ميل غالبية اللبنانيين الى المحيط العربي، مع ضرورة أخذ المملكة في الاعتبار الترابط الديني والثقافي والعلاقات القوية بين إيران والشيعة في لبنان وتحديداً «حزب الله»، وبأنّ دوره وسلاحه مسألة إقليمية تتعلق بالنزاع في المنطقة، وبالتالي حلّه خارج القدرة اللبنانية. في المقابل، على الحزب ومن خلفه ايران، خفض منسوب الخطاب الإعلامي ضدّ السعودية حرصاً على مصالح اللبنانيين في الخليج. ويمكن وضع كلام السيد نصرالله الأخير في إطار الضمانات المبدئية بخفض مستوى التصعيد الإعلامي ضد المملكة.

وبناءً عليه، على لبنان ترقّب وانتظار 4 مسارات علها تنعكس إيجاباً:

– استكمال «الإنحراف» الخليجي في اتجاه سوريا الذي بدأ بزيارة وزير الخارجية الاماراتي إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، والمتوقع أن يزور أبو ظبي نهاية الشهر الجاري لترتيب «الأوراق» العربية – السورية قبيل القمة العربية التي ستنعقد في الجزائر في آذار المقبل، وتتوّج بعودة سوريا رسمياً الى مقعدها في الجامعة العربية، وقد يدخل الأسد على خط الأزمة بطرح حلول تقوم الإمارات بتسويقها لدى قيادة المملكة، نظراً للعلاقة العميقة التي تربط الأسد بقيادة «حزب الله».

وبحسب أوساط ديبلوماسية، فإنّ الخطوة الإماراتية لا يمكن أن تتمّ لولا الضوء الأخضر الأميركي والسعودي. وإن صح ذلك، فإنّ وزير الخارجية السعودي لن يتأخّر عن زيارة الشام ليكتمل عقد «س ـ س» مجدداً، «المعادلة الذهبية» التي يُعوّل عليها دائماً رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعودة الدفء إلى العلاقات العربية – العربية وعودة لبنان إلى الحضن السعودي – السوري. فلا يمكن بحسب الأوساط أن تدخل العلاقات الخليجية – السورية مجدداً في شهر العسل ويبقى لبنان على قارعة الأجندة العربية، فلا بدّ من أن يعود إلى «البيت العربي» و»الأريكة» السعودية تحديداً. وفي هذا السياق، تفيد المعلومات، أنّ بري يعهد ببذل جهود للعمل على حل متكامل لقضيتي «قرداحي» و«البيطار» من دون المقايضة التي رفضها «حزب الله». وفي حال نجحت المساعي تتوّج باستقالة القرداحي طوعياً، ويضع المحقق العدلي قراره الظني ويعود الوزراء المعتكفون الى مجلس الوزراء.

– الحوار بين الرياض وطهران وما يمكنه من خفض منسوب التوتر على الساحتين الخليجية واليمنية وبين «حزب الله» و»المملكة»، ما يلجم الضغط السعودي على لبنان.

– بلوغ مفاوضات الحل السياسي في اليمن مرحلة إنهاء الحرب العسكرية، وينتفي بذلك السبب الرئيسي للتصعيد السعودي المستجد.

– المفاوضات الأميركية – الايرانية حول الملف النووي الايراني، وعندما يُوقّع الإتفاق ينعدم جدوى التصعيد الايراني – السعودي.

ويمكن لطرفي النزاع الإقليمي (طهران والرياض) الاتفاق الضمني على تحييد لبنان عن دائرة الاشتعال في المنطقة. ويمكن مصر أيضاً أن تلعب دوراً بارزاً في ترطيب الأجواء بين بيروت والرياض، نظراً للمكانة التي تحتلها لدى السعودية وعلاقة الجغرافيا مع اليمن.

ويمكن لـ«حزب الله» أن يؤقلم سياساته ويقنن مواقفه، أخذاً في الاعتبار المصالح الاقتصادية للبنان بعلاقته مع السعودية، لا سيما وجود عشرات آلاف العاملين في المملكة ودول الخليج، الذين يدرون مليارات من الدولارات تسعف الاقتصاد المتهالك. ويجدر بالسعودية أيضاً النظر بعين الاعتبار الى حقيقة الانقسام السياسي في لبنان وموازنة سياساتها، لكي لا يدفع اللبنانيون ثمن ذلك، كونهم لا يملكون القدرة على لجم اندفاعة الحزب في اتجاه خيارات معادية للمملكة.

فما هو دور الحكومة والقيادات السياسية إلى حين تبلور رؤية نهائية لمشهد المسارات؟

يمكن للقيادات السياسية العمل على مستويات عدة متوازية: احتواء الأزمة والعمل قدر الإمكان على خفض منسوب التوتر السياسي والاعلامي، وتكليف بعض الدول للتوسط للجم الإجراءات ضدّ لبنان، والتأكيد المستمر لأهمية ومتانة العلاقة مع السعودية وتمسّك لبنان بها، إذا كانت إقالة الوزير جورج قرداحي مستبعدة راهناً، في موازاة إنقاذ الحكومة من «الموت السريري» وتحييدها عن الملفات المتفجّرة، لكي تتفرّغ لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية المتفاقمة، مع انتظار كيفية تطور مسارات الحوارات ونتائجها حتى نضوج التسويات.